للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا تأملت الحديثين لم تجد بينهما منافاة؛ لأن المراد بجهد المقل ما زاد عن كفايته، ولكنه ليس ذا غنى واسع.

قوله: «ويأثم بما ينقصها» «يَنْقُصُهَا» هذا هو الصواب، وقد يقرؤها البعض «يُنْقِصُهُا» من الرباعي، لكنها من الثلاثي، وهي لازمة ومتعدية، بل تتعدى لاثنين، قال تعالى: ﴿ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا﴾ [التوبة: ٤] فهنا تعدت لاثنين: الكاف، وشيئاً، وتكون لازمة كما لو قلت: نقص المال، ومثلها «زاد» تستعمل متعدية مثل زادني خيراً، وقال تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً﴾ [التوبة: ١٢٤] نصبت مفعولين، ولازمة مثل: زاد المال.

وقوله: «يأثم» أي: المتصدق.

وقوله: «بما» أي: بصدقة تنقص كفايته وكفاية من يمونه.

ووجه ذلك أنه إذا نقص الواجب أثم، كيف يليق بك أن تترك واجباً وتتصدق بتطوع؟ لهذا لا يليق لا شرعاً، ولا عقلاً، ولا عرفاً، فابدأ أولاً بمن تعول.

ثم اعلم أيضاً أن خير صدقة تتصدق بها ما تصدقت به على نفسك وأهلك؛ لأن الصدقة على أهلك أفضل من الصدقة على البعيد، كما جاء في الحديث (١)، فإذا قمت بالواجب في مؤونة أهلك كنت قائماً بواجب وصدقة، كما ثبت عن النبي أن


(١) حديث أبي هريرة أن النبي قال: «دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك». أخرجه مسلم في الزكاة/ باب فضل النفقة على العيال … (٩٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>