للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن دقيق: إنه على شرط مسلم» (١).

٤ ـ ما رواه أبو داود قال: حدثنا محمد بن عيسى، حدثنا عتاب يعني ابن بشير عن ثابت بن عجلان عن عطاء عن أم سلمة قالت: «كنت ألبس أوضاحاً من ذهب فقلت: يا رسول الله أكنز هو؟ فقال: ما بلغ أن تؤدي زكاته فزكي فليس بكنز» (٢) وأخرجه أيضاً البيهقي والدارقطني والحاكم، وقال: «صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه» وصححه أيضاً الذهبي، وقال البيهقي: تفرد به ابن عجلان، قال في التنقيح: «وهذا لا يضر فإن ثابت بن عجلان روى له البخاري، ووثقه ابن معين والنسائي، وقول عبد الحق فيه: لا يحتج بحديثه، قول لم يقله غيره، قال ابن دقيق: وقول العقيلي في ثابت بن عجلان: لا يتابع على حديثه، تحامل منه» اهـ.

فإن قيل: لعل هذا حين كان التحلي ممنوعاً، كما قاله مسقطو الزكاة في الحلي.

فالجواب: أن هذا لا يستقيم فإن النبي لم يمنع من التحلي به، بل أقره مع الوعيد على ترك الزكاة، ولو كان التحلي ممنوعاً لأمر بخلعه وتوعد على لبسه (٣)، ثم إن النسخ يحتاج إلى


(١) «التلخيص الحبير» (٢/ ١٧٨).
(٢) سبق تخريجه ص (١٢٩).
(٣) هذا أحد الأجوبة التي أجاب بها من قال: إنه لا زكاة في الحلي، قال: هذه الأحاديث محمولة على ما قبل التحليل يعني حين كان التحلي حراماً، وهذا يحتاج إلى أمرين كما تعلمون:
أولاً: يحتاج إلى إثبات أنه وقع التحريم.
ثانياً: يحتاج إلى إثبات النسخ.
فإذا ثبت هذا فيمكن أن يجاب به، ثم إن هذا الحديث يدل على أنّ النبي أقر اللبس، وإنما أوجب الزكاة، وتوعد من لم يزكِّ، فلا يستقيم هذا الجواب.
(١) النسخ لا يثبت بالاحتمال، فقد يحتمل أنه منسوخ، ولكن هذا لا يكفي، بل لا بد أن نعلم تأخر الناسخ؛ لأن للنسخ شرطين لا بد منهما:
الأول: تعذر الجمع، فإذا أمكن الجمع بأي وجه من وجوه الجمع كالتخصيص مثلاً أو التقييد، أو ما أشبه ذلك، فإنه لا يصار إلى النسخ؛ لأن النسخ أمره عظيم إذ إنه إثبات ردِّ أحد النصين، وإهداره فليس هيناً.
الأمر الثاني: معرفة أن هذا بعد هذا أي أن ما ادعي أنه ناسخ يكون بعد ما ادعي أنه منسوخ، فإن لم نعلم فإنه لا نسخ.
لكن ماذا يكون موقفنا إذا لم يثبت النسخ، وتعذر الجمع؟
الجواب: نرجع إلى طريق آخر قبل التوقف وهو الترجيح، فننظر أيهما أرجح، وطرق الترجيح معروفة عند الأصوليين، وعند المحدثين.
فإن لم يتبين الترجيح فحينئذٍ يجب التوقف، فنقول: الله أعلم، ولكن هذا علمياً قد يكون مشكلة؛ لأن العامي لا يرضيه أن تقول: أنا متوقف، بل يقول: أفتنا، فماذا نعمل في هذه الحال؟
الظاهر ـ والله أعلم ـ أننا نلجأ إلى الاجتهاد ونأخذ بالاحتياط، أو بما يطابق الشريعة فالذي يطابق الشريعة هو الأسهل، والاحتياط هو الأثقل، على أن الوصول إلى درجة التوقف لا تمكن باعتبار النص «الدليل»، بل تمكن باعتبار الإنسان، باعتبار «المستدل»، فتتعارض عنده النصوص، ويكون ذلك إما بسبب قصوره، أو تقصيره، أو سوء قصده، أو رداءة فهمه.
وهنا نكون أجبنا عن قول من قال: إن الوعيد كان حينما كان التحلي ممنوعاً.
فأجبنا: بأن هذا لا يستقيم، وذلك لأن النبي لم يمنع من التحلي به، بل أقره مع الوعيد على ترك الزكاة، ولو كان حراماً لتوعد على لبسه ومنعه، وحينئذٍ لا يستقيم هذا الجواب.
وأيضاً النسخ إذا قيل: إنه كان حين كان ممنوعاً، ثم نسخ إلى الإباحة، فإنه يحتاج إلى دليل بحيث نعلم المتأخر، ويتعذر الجمع؛ لأن للنسخ شرطين لا بد منهما:
أولاً: تعذر الجمع.
ثانياً: العلم بالمتأخر.
ثم لو فرضنا أن هذا كان حين التحريم فإن الأحاديث المذكورة حديث عائشة وأم سلمة والمرأة تدل على الجواز بشرط إخراج الزكاة، وحينئذٍ نقول: لنفرض أن هذا كان حين التحريم، فإن الأدلة الدالة على الجواز تقيده بإخراج الزكاة، ولا دليل على ارتفاع هذا الشرط وإباحته ـ أي إباحة التحلي ـ إباحة مطلقة، وبهذا سقط هذا التقدير، أي: أن ذلك كان حين التحريم.
إذاً الجواب من ثلاثة أوجه:
الأول: أنه قد طعن في الحديث، وفي روايه.
الثاني: أنه لو فرض رفع الطعن في الراوي فإنه لا يعارض أحاديث الوجوب، والمعارضة لا بد أن يكون المعارض مقاوماً للأحاديث التي عارضها حتى يمكن أن يعارض به.
الثالث: أنه لو فرض التعارض والتساوي والتقابل فالأخذ بالوجوب أحوط وأبرأ للذمة ولهذا ذهب بعض العلماء كالشيخ الشنقيطي في «أضواء البيان» إلى أن القول بالوجوب أحوط، ويكون من باب الاحتياط.

<<  <  ج: ص:  >  >>