فإن قول جابر في حديثه الطويل:«ثم تقدم إلى مقام إبراهيم، فقرأ ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً﴾ يحتمل أنه تقدم من منتهى الطواف وهو الحجر إلى مكان المقام، وهو خلف باب الكعبة، ويحتمل أنه تقدم إليه في مكانه الآن.
فإذا قلنا: إن مكانه الحاضر هو مكانه في عهد رسول الله ﷺ، فهل لنا فيما لو احتجنا إلى تأخيره ليتسع المطاف أن نؤخره؟
الجواب: لا؛ لأنه توقيفي، وإذا قلنا: إنه كان لاصقاً بالكعبة، ثم أخره عمر فللاجتهاد في ذلك مجال، فقد نقول بجواز تأخيره إذا دعت الضرورة إلى ذلك، وقد نقول بالمنع لأن أمير المؤمنين عمر له سنة متبعة، لكن القول بالجواز أولى ولا ينافي ما سنه أمير المؤمنين من حيث المعنى؛ لأنه زحزحه عن مكانه من أجل توسعة المطاف، فإذا زحزحناه عن مكانه لذلك فقد وافقنا أمير المؤمنين من حيث المعنى.
وقوله: «خلف المقام» ظاهر كلامه أنه لا يشترط فيهما الدنو من المقام، وأن السنة تحصل بهما وإن كان مكانهما بعيداً عن المقام، وهو كذلك.
ولكن كلما قرب من المقام كان أفضل، إلا أنه إذا دار الأمر بين أن يصلي قريباً من المقام مع كثرة حركته لرد المارين بين يديه أو مع التشويش فيمن يأتي ويذهب، وبين أن يصلي بعيداً عن المقام ولكن بطمأنينة، فأيهما أفضل؟
الجواب: الثاني أفضل؛ لأن ما يتعلق بذات العبادة أولى