والدليل على هذا أن الرسول ﷺ: لم يأمر أصحابه أن يطوفوا للوداع حين خرجوا من مكة إلى المشاعر، وإن كان قد يقال: إن الرسول ﷺ لم يأمرهم بذلك؛ لأنهم لم يتموا حجهم حتى يلزمهم بالوداع، والذي يظهر أن التقييد أصح من الإطلاق لكن بشرط أن يكون خرج إلى البلد الذي أراده بنية الرجوع إلى مكة لينشئ السفر منها إلى بلده.
ولكن لو أن الإنسان عمل بالأمرين فطاف إذا أراد الخروج من مكة إلى بلد آخر، وإذا رجع إلى مكة طاف إذا أراد الخروج إلى بلده لكان خيراً.
لكن إذا كان الأمر فيه مشقة أن يطوف مرتين، فلا يظهر الإلزام بالطواف إذا أراد الخروج إلى غير بلده؛ لأنه في الواقع لم يغادر مكة فسوف يرجع إليها.
أما لو أراد الخروج إلى بلد آخر عبر سفره إلى بلده فهنا يطوف، كما لو أراد الخروج إلى بلده عن طريق المدينة فاتجه إلى المدينة، وهو يريد السفر إلى بلده فإن هذا يلزمه الطواف؛ لأنه حقيقة غادر مكة.
وقوله:«لم يخرج حتى يطوف للوداع» يستثنى من ذلك الحائض فإنها لا تطوف للوداع، ودليل ذلك أن النبي ﷺ لما أخبر أن صفية ﵂ قد حاضت وكانت قد طافت طواف الإفاضة، قال:«انفروا»(١)، فأسقط عنها طواف الوداع،
(١) أخرجه البخاري في الحج/ باب إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت (١٧٥٧)؛ ومسلم في الحج/ باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض (١٢١١) (٣٨٢) عن عائشة ﵂.