الرعاة، وأسقط المبيت عنهم (١)، فدل هذا على أن المبيت في منى ـ وإن عددناه من الواجبات ـ أهون من الرمي؛ ولهذا يخطئ بعض الناس ـ فيما نرى ـ أنه إذا قيل له: رجل لم يبت في منى ليلة واحدة قال: عليه دم، وهو لو قال: عليه دم إذا ترك ليلتين لكان له شيء من الوجه؛ لأنه ترك جنساً من الواجبات، أما إذا ترك ليلة من الليالي فنقول: عليه دم، مع أن الوجوب فيه نظر، ثم الوجوب إنما يكون إذا ترك هذا الجنس من الواجب، أما إذا ترك جزءاً منه فإيجاب الدم عليه فيه نظر واضح، ولهذا كان الإمام أحمد ﵀ أحياناً يقول: عليه قبضة من طعام، أي: ملئ اليد. وبعض العلماء يقول: درهم وما أشبه ذلك.
وقوله:«لغير أهل السقاية والرعاية».
يفهم منه أن أهل السقاية والرعاية يجوز لهم ترك المبيت بالمزدلفة، ولا أعلم لهذا دليلاً من السنة أن الناس يسقون ليلة المزدلفة، ولا أن الرعاة يذهبون بالإبل ليلة المزدلفة لما يلي:
أولاً: الرعاة لا حاجة لهم إلى الرعي في ليلة المزدلفة، بل الرواحل عند الناس؛ لأنهم سيرتحلون، فكيف تذهب ترعى في الليل وهم جاؤوا بها من عرفة وأناخوها في مزدلفة وستبقى تنتظر ارتحالهم في صباح تلك الليلة، هل في هذا حاجة للرعاة؟ لا والسقاة أيضاً، فإن الناس لن يذهبوا إلى مكة يشربون ماء زمزم قبل أن يستوطنوا في منى، فاستثناء السقاة والرعاة من وجوب المبيت بالمزدلفة فيه نظر ظاهر.