للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوجد امرأة عجوزاً عندها صبيان جوعى يصيحون، وقد أوقدت النار تحت قِدر ليس فيه إلا الماء لتسكتهم به، فجاء إليها وقال: ما لك يا أمة الله؟ قالت: هؤلاء صبيان، قال: ما الذي في القدر؟ قالت: ماء أسكتهم به، الله بيننا وبين عمر ـ كلمة عظيمة ـ، عمر ولاه الله على العباد لا بد أن يسأله الله عن هذه الولاية، فقال لها ـ وهي لا تعلم أنه عمر ـ: ما أدرى عمر بكم؟ قالت: يتولى أمرنا ولا يدري عنا؟ هذه كلمة أكبر من الأولى.

فذهب مسرعاً إلى خزانة الطعام وأخذ كيساً من دقيق، وأخذ ما يقابله من الودك وحمله، فقال له مولاه أسلم: يا أمير المؤمنين أنا أحمله، قال: إنك لو حملته عني لم تحمل عني أوزاري يوم القيامة، ثم خرج به وجعل هو ينفخ في النار حتى إن الدخان يتخلل لحيته، ويصب من الدقيق والودك في هذا القدر حتى طبخ هو بنفسه، خليفة المسلمين من مشرق الأرض إلى مغربها يطبخ بنفسه لهذه العجوز!! لأنه يطبخ مخلصاً لله بذلك ليبرئ ذمته بهذا، ففعل ثم تنحى ناحية وجلس وقال: والله لا أرجع حتى أرى هؤلاء الصبيان الذين يبكون يتضاحكون، فشبعوا من الطعام وجعلوا يضحكون ويتصارعون، فذهب وقال لها: إذا كان غداً فأتي إلى عمر، وذهب وهي لا تدري من هذا الرجل، قالت: والله إنك لخير لنا من عمر (١)؛ لأن عمر على زعمها نائم في فراشه، وهذا يتفقد الناس ويأتي إليهم بالطعام، فالمسؤولية عظيمة جداً، نسأل الله تعالى أن يعين ولاة أمورنا على ما فيه خير البلاد والعباد.


(١) أخرجه الطبري في «تاريخه» (٤/ ٢٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>