يحل له ذلك، وهو أشد إثماً ممن يبيع المساكن في مكة؛ لأن المساكن في مكة لا يلزم الإنسان أن يبقى فيها، إذ يجوز أن يبقى في الخارج وينزل.
واختار شيخ الإسلام جواز البيع دون الإجارة لقوله تعالى: ﴿وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ [الحج: ٢٥]، وقيل: يجوز بيعها وإجارتها وهذا مذهب الشافعي، وحجتهم أن النبي ﷺ قيل له عام الفتح: أتنزل غداً في دارك؟ فقال: وهل ترك لنا عقيل من دار أو رباع؟! (١) وعقيل هو الذي ورث أبا طالب، وظاهر هذا الحديث أن بيوت مكة تملك، وإذا ملكت جاز بيعها، وجازت إجارتها، وما ذهب إليه الشافعي وغيره هو الذي نصره الموفق في المغني، وأيده بأدلة كثيرة وقال: إن الصحيح جواز البيع والإجارة في بيوت مكة، والعمل على هذا القول، وأما القول بأنه لا يجوز بيعها ولا إجارتها فهو قول ضعيف، وأما ما ذهب إليه شيخ الإسلام فهو وإن كان فيه شيء من القوة، فإنه يمكن أن يجاب عنه بأن الآية في أمكنة المشاعر، فهذه لا شك أنها لا تملك.
فصارت البلاد ثلاثة أقسام:
الأول: ما يجوز بيعه وإجارته.
الثاني: ما تجوز إجارته دون بيعه.
(١) أخرجه البخاري في الحج/ باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها (١٥٨٨)؛ ومسلم في الحج/ باب نزول الحاج بمكة وتوريث دورها (١٣٥١) عن أسامة بن زيد ﵄.