وأنه أتى بـ «من» للتبعيض لأجل أن يكون المشتري بالخيار، إن شاء أخذ كثيراً، وإن شاء أخذ قليلاً، ثم إن المسألة ستعلم، فإذا قال: أنا أريد عشرة من القطيع عُلم، فيصح، وهذا مثلها لأنه مثل الإجارة، لو قال: استأجرت منك هذا البيت كل سنة بمائة درهم فإنه يجوز، وقد روي عن علي ﵁ أنه استؤجر على أن يسقي بستاناً كل دلو بتمرة (١)، فإذا صح هذا في الإجارة صح في البيع؛ لأن كلًّا منهما يشترط فيه العلم.
وهذا القول هو القول الراجح في هذه المسألة، أنه إذا باعه من القطيع كل شاة بدرهم، أو من الثوب كل ذراع بدرهم، أو من الصبرة كل قفيز بدرهم، فإن البيع صحيح كما لو باعه الكل، وقد ذكرنا سابقاً أن الناس جرت عادتهم أن المشتري إذا جاء إلى القطيع، وقال له صاحب القطيع: خذ ما شئت ـ مثلاً ـ شاتين أو ثلاثاً أو أربعاً تخير، فيأخذ واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً ويمشي، والناس يتبايعون بهذا، وعليه العمل، فالصواب إذاً صحة ذلك في هذا وفي هذا.
قوله:«أو بمائة درهم إلا ديناراً» لم يصح.
قوله:«وعكسه» بأن باعه بدينار إلا درهماً لم يصح، هاتان مسألتان:
المسألة الأولى: إذا باعه بمائة درهم إلا ديناراً فإنه لا
(١) أخرجه الترمذي في صفة القيامة/ بابٌ (٢٤٧٣) وقال: «حسن غريب»؛ وابن ماجه في الرهون/ باب الرجل يستقي كل دلو بتمرة (٢٤٤٧)؛ وصححه البوصيري في «مصباح الزجاجة».