قلنا: لينبه على أن ربا النسيئة أعظم من ربا الفضل؛ لأن هذا هو المعروف في الجاهلية، حيث إن الإنسان إذا استدان من شخص آخر ثم حل الأجل ولم يوف قال: نؤخر ونزيد، فكأنه قال: إنما الربا الأعظم والأكثر إثماً هو ربا النسيئة، ومن هنا نعلم أنه لا يمكن أن يكون هناك تناقض بين كلام النبي ﷺ الأول والآخر إذا صح عنه، بل لا بد أن يكون العمل بكل منهما ما لم يوجد نسخ.
فإذا قال قائل: إذاً ما الفائدة من حصره في هذا؟
قلنا: لأنه أعظم نوعي الربا، فلهذا قال:«إنما الربا في النسيئة».
فما الأشياء التي يحرم فيها ربا النسيئة؟
قوله:«ويحرم ربا النسيئة» النسيئة معناها المؤخر، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [التوبة: ٣٧]، يعني التأخير، ولكن ليس المراد بالآية ربا النسيئة، بل المراد ما بينه الله في آخر الآية: ﴿يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا﴾، وذلك أن الأشهر الحرم وهي: رجب وذو القعدة وذو الحجة ومحرم، لا يجوز فيها القتال، فكان العرب يتلاعبون فيها، أحياناً يؤجلون المحرم إلى صفر، فيحلون شهر محرم ويحرمون صفراً، قال تعالى: ﴿لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ﴾، لا عين ما حرم الله؛ لأن العدة أربعة، فيوافقون العدة ولكن يخالفون التعيين، ولهذا قال: ﴿فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ﴾، فالنسيء المذكور في الآية غير النسيء الذي نتكلم عنه هنا، النسيء الذي نتكلم عليه هنا هو تأخير