قلنا: نعم؛ لأنه ربما جعل للثاني أكثر منه؛ لأنه أخبر منه في البيع والشراء، فأعطاه أكثر من ربح ماله، أما الوضيعة فلا يمكن أن نحمِّل أحدهما أكثر من خسارة ماله؛ لأن تحميلنا إياه أكثر من خسارة ماله، معناه إضافة شيء من ماله إلى مال الآخر وهذا أكل للمال بالباطل، فلو كان المال بينهما أحدهما ثلاثة أرباع والآخر الربع، والخسارة أربعمائة وقد قالوا: إن الخسارة أنصافاً فيكون على صاحب الربع زيادة، فمعنى ذلك أننا اقتطعنا من ماله شيئاً أضفناه إلى مال الآخر، وهذا لا يجوز لقوله: ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ *﴾ [البقرة: ١٨٨].
فصار الربح على ما شرطاه، وأما الوضيعة فعلى قدر المال.
قوله:«ولا يشترط خلط المالين» يعني لا يشترط أن يَخلطا المالين، بل لو عمل كل واحد منهما بماله فلا بأس؛ لأن المقصود الربح لا الخلط، وهذا نفاه المؤلف، واعلم أن لدى العلماء قاعدة وهي أنهم لا ينفون شيئاً إلا لوجود خلاف فيه؛ لأنه إذا لم يكن خلاف فالسكوت عن ذكره يغني عن نفيه، لكن إذا كان هناك خلاف، فإنهم يذكرون النفي دفعاً لهذا الخلاف، فقوله:«ولا يشترط خلط المالين» إشارة إلى نفي القول باشتراطه، والقول باشتراط الخلط نوعان:
الأول: أنه لا بد أن يؤتى بالمالين، ويجعلا في متجر واحد، ولو كان كل واحد منهما ماله متميزاً.