فقال رب المحل: بعته عليكما، فصارا شريكين في هذا المحل بدون أن يسلما دراهم، لا منهما ولا من أحدهما؛ لأنهما لو سلما دراهم منهما صار ذلك شركة عنان، ولو سلم أحدهما فمضاربة، فهذان لم يسلما مالاً؛ لأنهما اشتريا في ذمتيهما بجاههما.
مثال آخر: رجلان آخران ذهبا إلى صاحب محل، وهما من أصحاب الحيلة والمكر، وقالا: بع علينا المحل، فقال: أعطوني المال، فقالا: ليس لنا مال ولكن لك جاهنا ووجاهتنا وذمتنا، ولكنهما معروفان بالحيل والمكر والخداع والمماطلة، فهنا لا يعطيهما، أما في المثال الأول فقد أعطاهما؛ لأن لهما جاهاً ووجاهة وذمة.
فتبين الآن أن شركة الوجوه معناها أن الشريكين ليس لهما مال، لا منهما، ولا من أحدهما، وإنما لهما الذمة والجاه والاعتبار عند الناس.
وهذه الشركة يحتاج إليها الفقراء الأقوياء على التكسب، قال النبي ﷺ في الصدقة:«لا تحل لغني، ولا لقوي مُكْتَسِب»(١)، والناس قد لا يكون عندهم مال فيذهبون إلى التجار ويقولون: أعطونا أموالكم نتجر بها واكتبوها في ذمتنا، فالملك هنا ملكهما، والتاجر ليس له إلا ثمن ثابت في الذمة.
(١) أخرجه مسلم في الزكاة/ باب من تحل له المسألة (١٠٤٤) عن قبيصة ﵁.