أحيا أرضاً ميتة فهي له» فهل هذا حكم تشريعي أو حكم تنظيمي؟ إن قلنا: إنه حكم تشريعي صار «من أحيا أرضاً ميتة فهي له» سواء أذن الإمام أم لم يأذن؛ لأن النبي ﷺ قاله على وجه التشريع للأمة، وإن قلنا: إنه على وجه التنظيم، صار لا بد أن يقول الإمام:«من أحيا أرضاً ميتة فهي له» في كل زمان ومكان.
ونظير هذا من بعض الوجوه قول النبي ﷺ:«من قتل قتيلاً فله سَلَبُه»(١) أي في الحرب، فهل هذا تشريع أو تنظيم؟ فيه خلاف، فبعض العلماء قال: إن الرجل إذا قتل قتيلاً في الحرب فله سلبه سواء اشترط ذلك الإمام أم لا، وبعضهم قال: ليس له سلبه إلا بإذن الإمام، وهنا أمير الجيش ينوب مناب الإمام؛ لأن سَلَب القتيل غنيمة فيلحق بالغنيمة ولا يملكه القاتل إلا بإذن خاص.
وكلام المؤلف في المسألة السابقة ـ وهو مذهب الحنابلة ـ يدل على أن من أحيا أرضاً ميتة فهي له، سواء كان ذلك برخصة من ولاة الأمر أم لا، لكن لو أن ولي الأمر قال: لا يحيي أحد أرضاً إلا بإذني وموافقتي، فهل يملك المحيي بعد ذلك الأرض بالإحياء بدون مراجعة ولي الأمر؟ الجواب: لا؛ لأن المسألة انتقلت من كونها داخلة في العموم إلى تخصيص من ولي الأمر، وقد قال الله ﵎: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] فإذا قال ولي الأمر: لا أحد يحيي إلا بإذني وترخيص مني، فمن أحيا بعد أن بلغه هذا القول فإنها تنزع منه ولا حق له فيها؛ وذلك لأن ولي الأمر أمر بهذا،