خدعت أو غلبت؛ بل الوقف تبرع أخرجه الإنسان لله تعالى، كما لو تصدّق بدراهم بلا عدٍّ فتصح وتنفذ ولا يصح الرجوع فيها؛ لأنه تصدَّق وتبرَّع؛ فلهذا كان الراجح أنه يصح وقف المعيّن وإن كان مجهولاً؛ لأنه تبرّع محض إذا أمضاه الإنسان نفذ.
قوله:«ينتفع به»، أي: بهذا المعين.
قوله:«مع بقاء عينه»، هذا هو الشرط المهم هنا، فإن كان لا يمكن أن ينتفع به إلا بتلف عينه فإنه لا يصح وقفه؛ لأن الوقف حبس الأصل وتسبيل المنفعة، فلو وقف جراب تمر على الفقراء فإنه لا يصح؛ لأنه لا يمكن الانتفاع به إلا بتلف عينه؛ لأن الفقراء سوف يأكلونه وإذا أكلوه لم تبق عينه، فلا بد أن يكون من معيَّن يُنتفع به مع بقاء عينه.
ولو وقف خبزاً على الفقراء فلا يصح؛ لأنه لا يمكن أن يُنتفع به مع بقاء عينه.
واستثنوا من هذا الماء، فقالوا: إن وقفه يصح؛ لأنه ورد عن السلف (١)، فيجوز أن يوقف هذه القربة على العِطَاش من المسلمين، فيقال: إن وروده عن السلف يدل على جواز مثله إذ لا وجه لاستثنائه.
(١) من ذلك ما رواه الترمذي في المناقب/ باب في مناقب عثمان بن عفان ﵁ (٣٦٩٩) «أنه اشترى بئر رومة على عهد رسول الله ﷺ وجعلها للغني والفقير وابن السبيل»، قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب، وفي رواية النسائي في الجهاد/ باب فضل من جهز غازياً (٦/ ١٤٦) أن النبي ﷺ قال له: «اجعلها سقاية للمسلمين، وأجرها لك»، وأصل الحديث في البخاري في الوصايا/ باب إذا وقف أرضاً أو بئراً أو اشترط لنفسه مثل ولاء المسلمين (٢٧٧٨).