فأي إنسان يقال: إنه طالب أباه عند القاضي بقلم ـ مثلاً ـ بخمسين ريالاً فكل الناس سيعيبون هذا، وقد قال عبد الله بن مسعود ﵁:«ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوه قبيحاً فهو عند الله قبيح»(١).
قوله:«إلا بنفقته الواجبة عليه، فإن له مطالبته بها وحبسه عليها»، أي إذا امتنع الأب من النفقة الواجبة عليه فللابن أن يطالبه بها؛ لأنها ضرورة لحفظ حياة الابن، ولأن سببها معلوم ظاهر بخلاف الدَّين، ولأن وجوب النفقة ثابت بأصل الشرع، فهو كالزكاة يجبر الإنسان على بذلها لمستحقها، فإذا جاء الابن الفقير وهو عاجز عن التكسب وليس عنده مال، وقال لأبيه: أنفق عليَّ، فقال: لا أنفق، فله أن يطالب أباه بالنفقة، وإذا امتنع فللحاكم أن يحكم بحبسه حتى يسلم النفقة.
وأعتقد أن هذا العمل من الابن ـ أعني مطالبة أبيه بالنفقة ـ لا يخالف المروءة؛ لأن الذي خرم المروءة هو الأب، لِمَ لم ينفق؟! فإذا طالب أباه بالنفقة فله ذلك وله حبسه عليها.
(١) أخرجه الإمام أحمد (١/ ٣٧٩)، وقال الحافظ في الدراية (٢/ ١٨٧): «إسناده حسن».