الأول: أن تكون البينة موجودة، فإن كانت البينة قد ماتت، فالمدين يعرف أن فلاناً وفلاناً يشهدان على أن في ذمته لفلان كذا، لكن مات الرجلان، فوجود هذه البينة وعدمها سواء؛ لأن صاحب الحق يضيع حقه إذا لم توجد البينة.
الثاني: أن تكون معلومة، فإن لم تكن معلومة فلا فائدة منها، ومعنى معلومة أي في المكان الفلاني، ويمكن بكل سهولة أن نستدعيها، أما إذا كانت غير معلومة كرجل أشهد على دينه فلان بن فلان وفلان بن فلان، وكان ذلك في موسم الحج والشاهدان من الحجاج، فهذه البينة غير معلومة، ولو فرض أنها معلومة فغير مقدور على إحضارها إذا قدرنا أنهم في أقصى الغرب، أو أقصى الشرق.
الثالث: أن تكون موثوقة، فإن كانت البينة غير موثوقة، بحيث يعرف الموصي أن هذين الرجلين لو شهدا عند الحاكم لرد شهادتهما، فلا فائدة من ذلك، وسواء رد شهادتهما لفسقهما، أو لقرابة بينهما وبين من له الحق، أو لغير ذلك.
وبهذا تقرر أن الوصية تجري فيها الأحكام التكليفية الخمسة.
قوله:«وإن لم يفِ الثلث بالوصايا فالنقص بالقسط» سبق أنه يُبدأ بالأول فالأول في العطية، وأن الوصايا يُسوَّى فيها بين المتقدم والمتأخر، فإذا أوصى لجماعة وزادت الوصية على الثلث فإن النقص يكون بالقسط، فلو أوصى لشخص بألف، ولآخر بألفين، ولثالث بثلاثة، وماله تسعة آلاف، فهنا مجموع الوصايا ستة آلاف، يزيد على الثلث، فهل نبدأ بالأول فالأول، أو نأخذ بالأكثر، أو ماذا؟
يقول المؤلف:«فالنقص بالقسط»، وكيفية ذلك أن تنسب الثلث إلى مجموع الوصايا، فما بلغ من النسبة فلكل واحد من وصيته مثل تلك النسبة.