للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستدلُّوا بقوله ﷺ لأمِّ حبيبة بنت جحش: «امْكُثي قَدْرَ ما كانت تحبسُكِ حَيْضَتُكِ» (١). فردَّها النبيُّ ﷺ للعادة، واحتمال وجود التَّمييز معها ممكنٌ، ولم يستفصل النبيُّ ﷺ. فلمَّا لم يستفصل مع احتمال وجود التَّمييز عُلِمَ أنها ترجع إِلى العادة مطلقاً، وأنَّ المسألة على سبيل العموم، إِذ من القواعد الأصولية المقرَّرة: «أنَّ ترك الاستفصال في مقام الاحتمال يُنَزَّلُ منزلةَ العموم في المقال».

وذهب الشَّافعيُّ (٢)، وهو روايةٌ عن أحمد (٣): أنها ترجع للتَّمييز. واستدلُّوا بما يلي:

١ - قوله ﷺ: «إِنَّ دمَ الحيضِ أسودُ يُعرَفُ» (٤)، قال هذا


(١) رواه مسلم، كتاب الحيض: باب المستحاضة وغسلها وصلاتها، رقم (٣٣٤) من حديث عائشة.
(٢) انظر: «المجموع شرح المهذب» (٢/ ٤٣١).
(٣) انظر: «الإنصاف» (٢/ ٤١٢).
(٤) رواه أبو داود، كتاب الطهارة: باب من قال إِذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة، رقم (٢٨٦)، والنسائي، كتاب الطهارة: باب الفرق بين دم الحيض والاستحاضة، (١/ ١٢٣)، رقم (٢١٥، ٢١٦)، وابن حبَّان، رقم (١٣٤٨)، والدارقطني (١/ ٢٠٧) وغيرُهم عن ابن أبي عدي، عن محمد بن عمرو، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة به مرفوعاً ..
قال الدارقطني: «رواته كلُّهم ثقات». وصحَّحه: ابن حبان، والحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
قال النوويُّ: «صحيحٌ، رواه أبو داود والنسائي بأسانيد صحيحة»، «الخلاصة» رقم (٦٠٩).
قلت: كذا قالوا! مع أن الحديث قد أُعِلَّ بعلَّتين قادحتين:
١ - أنه قد اختُلف على ابن عدي في إِسناده، فحدَّث به مرَّة كما تقدم من حفظه، وحدَّث به أخرى من كتابه عن محمد بن عمرو، عن عروة عن فاطمة بنت أبي حبيش.
قال ابن رجب الحنبلي: «قيل: إِن روايته عن عروة عن فاطمة أصحُّ؛ لأنها في كتابه كذلك، وقد اختُلف في سماع عروة من فاطمة». «فتح الباري» لابن رجب (١/ ٤٣٨).
٢ - قال أبو حاتم الرازي: «لم يُتابع محمد بن عمرو على هذه الرواية، وهو منكر»، «العلل» (١/ ٥٠) رقم (١١٧). وأعلَّه النسائي بهذه العلَّة أيضاً عقب روايته له.
وانظر: «المحرر» لابن عبد الهادي رقم (١٣٣)، «فتح الباري» لابن رجب (١/ ٤٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>