وأصل الشعر جائز، وإن كان الأكثر على الشعراء عدم الاستقامة، قال الله تعالى: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ *أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ *وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ *﴾ ﴿إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الشعراء: ٢٢٤ ـ ٢٢٧] وكم من قصيدة كانت أبياتها أشد من السهام بالنسبة للأعداء، وكم من قصيدة صار البيت الواحد منها يساوي مئات الدنانير، يقال: إن هناك قبيلة تسمى أنف الناقة، وأنت إذا سمعت هذا تشمئز، فقال فيهم رجل من الشعراء:
قوم هم الأَنْفُ والأذنابُ غيرُهُمُ
ومن يسوِّي بأنف الناقة الذنبَا
فعلت رؤوسهم، فكم من كلمة أو بيت من الشعر يرفع أمة أو ينزل أمة، ولهذا للشعر مكانة في صدر الإسلام وفيما بعد، ولكن المراد بالشعر الشعر الحقيقي الذي يأخذ بالمشاعر، أما الشعر غير الموزون الذي حصل من هؤلاء الأدباء المتأخرين، لما عجزوا عن الشعر الأول، قالوا: اتركوه وائتوا بشعر غير موزون شطر منه سطران، وشطر منه كلمة واحدة، وقولوا: هذا الشعر!! هذا لا يأخذ بمشاعر أي أحد، حتى الإنسان يمجه إذا قرأه، ولا يحرك مشاعره أبداً؛ والغريب أنه صار حسناً عند بعض الناس، لكن صار حسناً؛ لأنهم لا يستطيعون أكثر منه، ولا يعرفون أن يأتوا بمثل معلقات العرب، أو لامية أبي طالب، وقد أثنى عليها ابن كثير في البداية والنهاية، وقال: هذه التي ينبغي أن تكون من المعلقات؛ لأنها لامية عظيمة جداً.