قوله:«وإن علم به ولم يره ولم يسمعه خُيِّر» أي: علم بالمنكر بعد حضوره، فيخير بين البقاء والانصراف؛ لأنه لا يشاهد المنكر ولا يسمعه فلا إثم عليه، وله أن ينصرف تعزيراً لهؤلاء الذين فعلوا المنكر.
وأيهما أولى أن ينصرف أو يبقى؟ الجواب: حسب المصلحة؛ لأن التخيير هنا ليس تخيير تشهٍ، ولكنه تخيير مصلحة؛ لأن المقصود بذلك مصلحة الغير، وكل ما كان المقصود به مصلحة الغير فالتخيير فيه للمصلحة لا للتشهي، فإذا كان في انصرافه ردع لهم ولغيرهم، فهذا لا شك أنه يجب عليه الانصراف، وقد يكون عدم الانصراف أحياناً أولى بحسب الحال، فلو فرض أنه في هذه الحال لو انصرف لصار فيه قطيعة رحم، فهنا قد نقول: بقاؤه أولى؛ لأنه لم يرَ ولم يسمعْ، ولكنه يعظ وينصح وينكر؛ فإن لم يستجيبوا فلا بأس أن يجلس؛ لأنه ليس مع الذين يفعلون المنكر.
وإذا كان هذا الرجل كبيراً، كعالم أو وزير ينظر إليه إذا انصرف، ويرون أن هذا من أعظم التعزير؛ فإنه حينئذٍ يجب أن ينصرف، لما في ذلك من إزالة المنكر، وأما إن كان من عامة الناس، إذا انصرف أو لم ينصرف لم يؤبه له، فهذا قد نقول بأنه مخير، وقد نقول بأنه إذا رأى من نفسه أن الانصراف أحسن لقلبه، وأتقى لربه انصرف.
وقوله:«وإن علم به» فإن ظن ولم يعلم، فالأصل وجوب الإجابة، فيحضر ثم إن تحقق ظنه، فإن قدر على تغييره غيَّره، وإلا انصرف.