للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: «وشربه ثلاثاً مصًّا» أي: سن أن يشرب بثلاثة أنفاس (١)، لأن النبي إذا شرب شرب مصًّا، وقال: «إنه أهنأ وأبرأ» (٢)، ففيه ثلاث فوائد، وينبغي أن يكون ذلك مصًّا لا جرعاً؛ وذلك لأن الماء لا يشرب إلا عند الحاجة إليه، إذا عطش الإنسان، والعطش التهاب المعدة وحرارتها، فإذا جاءها الماء جرعاً فإنه يؤثر عليها؛ لأنه يصطدم البارد بالحار، فإذا صار مصاً صار الذي ينزل خفيفاً يسيراً، ويكتسب حرارة من الفم إلى المعدة، فيرد على المعدة وهو ساخن مناسب لها.

ويكون ثلاثاً لقول النبي : «فإنه أهنأ وأبرأ وأمرأ»، ولذلك يقول العارفون: إنك إذا وجدت شخصاً عطشان جداً لا تعطيه الماء دفعة واحدة؛ لأنك إن فعلت فإنه يهلك، لكن أعطه شربة وجرعة واحدة، ثم تمهل قليلاً، ثم أعطه الثانية، وهكذا؛ لئلا يهلك.

وقوله: «مصًّا»، هذا بالنسبة للماء، وأما اللبن والمرق وما أشبههما فإنه يُعب عباً، والفرق بينهما ظاهر؛ لأن الماء جاف، وليس فيه دهونة، ولا شيء مناسب للمعدة، فكان الأولى أن يأتيها شيئاً فشيئاً، بخلاف اللبن وشبهه فتعبه عبًّا، ولكن بثلاثة أنفاس.


(١) أخرجه البخاري في الأشربة/ باب الشرب بنفسين أو ثلاثة (٥٦٣١)؛ ومسلم في الأطعمة/ باب كراهة التنفس في نفس الإناء … (٢٠٢٨) عن أنس .
(٢) أخرجه البيهقي (١/ ٤٠) عن ربيعة بن أكثم .

<<  <  ج: ص:  >  >>