لأن الوطء له دوافع من أعظمها المحبة، والمحبة أمرٌ لا يملكه المرء، فقد يكون إذا أتى إلى هذه الزوجة أحب أن يتصل بها، وتلك لا يحب أن يتصل بها، فلا يلزمه أن يساوي بينهن في الوطء، وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ [النساء: ١٢٩]، ولأن النبي ﷺ كان يقسم بين زوجاته ويعدل ويقول:«هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك»(١) وهذا حق؛ لأنه إذا كان لا يرغب إحداهما، فإنه لا يملك أن يجامعها إلا بمشقة، ثم إن تكلف الإنسان للجماع يلحقه الضرر.
وقال بعض العلماء: بل يجب عليه أن يساوي بينهن في الوطء إذا قدر، وهذا هو الصحيح والعلة تقتضيه؛ لأننا ما دمنا عللنا بأنه لا يجب العدل في الوطء بأن ذلك أمرٌ لا يمكنه العدل فيه، فإذا أمكنه زالت العلة، وبقي الحكم على العدل، وعلى هذا فلو قال إنسان: إنه رجل ليس قوي الشهوة إذا جامع واحدةً في ليلة لا يستطيع أن يجامع الليلة الثانية ـ مثلاً ـ أو يشق عليه ذلك، وقال سأجمع قوتي لهذه دون تلك، فهذا لا يجوز؛ وذلك لأن الإيثار هنا ظاهر، فهو يستطيع أن يعدل، فالمهم أن ما لا يمكنه
(١) أخرجه أحمد (٦/ ١٤٤)؛ وأبو داود في النكاح/ باب القسم بين النساء (٢١٣٤)؛ والترمذي في النكاح/ باب ما جاء في التسوية بين الضرائر (١١٤٠)؛ والنسائي في النكاح/ باب ميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض (٧/ ٦٣، ٦٤)؛ وابن ماجه في النكاح/ باب القسمة بين النساء (١٩٧١) عن عائشة ﵂، وصححه ابن حبان (٤٢٠٥)؛ والحاكم (٢/ ١٨٧) وانظر: التلخيص (١٤٦٦)؛ والإرواء (٢٠١٨).