عشاء، وما أشبه ذلك، فالعشاء ليس كل لقمة ترفعها إلى فمك، بل مجموع اللقم، وكذلك الغداء فليس كل تمرة تبلعها تكون غداء، إنما الغداء، مجموع الأكل، وعليه فالمراد بالرضعة الفعلة من الرضاع التي تنفصل عن الأخرى، وأما مجرد فصل الثدي فهذا لا يعتبر رضعة في الحقيقة، فمثلاً لو أرضعته أول النهار الساعة الثامنة، ثم الساعة التاسعة، ثم الساعة العاشرة، ثم الحادية عشرة، ثم الثانية عشرة، فهذه خمس رضعات، فلو أرضعته في مكان واحد، وامتص الثدي ثم أطلقه يتنفس، ثم عاد ورضع، ثم أطلقه ليتنفس، ثم عاد خمس مرات لكنها في جلسة واحدة فلا يؤثر على هذا القول.
فإذا قال قائل: أيهما أرجح؟ قلنا: الأصل عدم التأثير، ولا نتيقن التأثير إلا بخمس وجبات؛ لأن الأصل أنه لا يؤثر، فنأخذ بالاحتياط، والاحتياط ألا يؤثر إلا خمس وجبات، لا خمس مصات، ولا خمسة أنفاس، وهذا اختيار شيخنا عبد الرحمن بن سعدي ﵀، وهو ظاهر اختيار ابن القيم.
فإذا قال قائل: لماذا لا نجعل المصَّات هي الأحوط؟ قلنا: هذا مشكل؛ لأننا إذا احتطنا من جهة، أهملنا من جهة أخرى، فمثلاً هذه طفلة رضعت خمس مصات، فإذا احتطنا، وقلنا: إن بنت المرضعة تكون أختاً للراضع يحرم عليه نكاحها، أتانا أمر آخر ضد هذا الاحتياط، وهي أننا إذا قلنا: إنها أخته لزم من ذلك أن يخلو بها، ويسافر بها، وتكشف وجهها له، والاحتياط ألا تفعل، وهي لا تفعل هذا إلا إذا قلنا: إن الرضاع غير مؤثر،