في البائن، فلها السكنى بكل حال، والنفقةُ إن كانت حاملاً، ولا يدخل فيه الرجعيات هنا؛ لأن الرجعيات ما قال الله: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ﴾، بل قال الله: ﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ﴾ بل يبقين في بيوتهن، فإن النهي عن الشيء أمر بضده، فتكون دلالة وجوب السكنى للرجعية من قوله: ﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ﴾ أوضح من قوله: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ﴾ فإن قوله: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ﴾ قد يكون لمن ليست في البيت، فيقال لها: تعالي واسكني، أما الرجعية فهي في البيت.
وقالوا: إنما أمر الله بإسكانها في البيت تحصيناً لِمَائِه، ولم يجعل عليه نفقة؛ لأنها بائن منه، فيكون الأمر بالإسكان لا لأنه حق لها، ولكن من أجل تحصين مائه، ولهذا قال العلماء في قوله: ﴿مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ﴾: «مِنْ» للتبعيض، و «حيث»: ظرف للمكان، يعني أسكنوهن بعض ما سكنتم، أي: عندكم في البيت، ولا تُكَلَّفُونَ أكثر من ذلك، بل من وُسعكم.
ودلالة القرآن على هذا القول قوية جداً، لكن يعكر عليه حديث فاطمة بنت قيس ﵂ حيث قال لها النبي ﷺ:«ليس لك نفقة ولا سكنى»، وهذا نص صريح.
لكن قد ورد في صحيح البخاري (١) أنها ﵂ كانت في بيتٍ وحشٍ، فأرادت الانتقال عنه خوفاً على نفسها، وفي هذه الحال لا يلزم الزوج بأن يستأجر لها ما تسكنه، فيكون معنى قوله:«ليس لك عليه سكنى»، أي: لا تلزمينه بأن يسكنك
(١) في الطلاق/ باب قصة فاطمة بنت قيس .. (٥٣٢٥) عن عائشة ﵂.