القاتل دون أن يقتل يفتح علينا مفسدة عظيمة، وهي التجرؤ على القتل وعدم المبالاة به، وقد تقتضي المصلحة عدم القصاص، فجاءت هذه الشريعة بين الحزم والفضل، كاملة عادلة.
والقصاص ليس كما يزعم أهل الإلحاد والزندقة، حينما يقولون: إن القصاص زيادة في القتل؛ لأنه إذا قتل القاتل شخصاً، ثم قتلنا القاتل يكون فات شخصان، وإذا لم نقتل القاتل لم يفت إلاّ شخص واحد، إذاً فالقصاص خطأ.
لكن نقول لهؤلاء الجماعة: هذا مما أعمى الله به بصائركم، فإن القصاص حياة، كما قال الله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ [البقرة: ١٧٩]؛ لأن القاتل إذا علم أنه سيُقتل فإنه لن يقدم على القتل، فإذا اقتصصنا من زيد لقتله عمراً؛ فإن خالداً لا يقتل بكراً، لكن لو تركناه تعدد القتل.
وقد اشتهر في الجاهلية عبارة يكتبونها ـ كما يقولون ـ بماء الذهب، وهي قولهم: القتل أنفى للقتل، أي: أنك إذا قتلت انتفى القتل، فهذه عبارة جيدة وبليغة، لكن عبارة القرآن أعظم بكثير، ونحن لا نريد أن نقارن بين كلام الله تعالى وكلام البشر، لكن نريد أن نبين أن القرآن في غاية ما يكون من البلاغة، ففي القرآن إثبات وفي هذه العبارة نفي، والإثبات أحق بالقبول من النفي، أيضاً الآية تشير إلى العدل في قوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ﴾، وفي عبارة العرب لا توجد إشارة للعدل، أيضاً الآية ليس فيها ذكر للقتل بل فيها ذكر القصاص وهو العدل والحياة،