مِنَ الأَرْضِ﴾، ولم يُذكر النافي؛ ومعلوم أن النافي هو ولي الأمر، الذي له السلطة، فإن لم يفعل نفاه المسلمون، وهذا هو السر في بنائها للمجهول؛ وكيف ينفون؟
الجواب: قال المؤلف: «بأن يشردوا فلا يتركون يأوون إلى بلد»، بل يشردون في البراري، ولا يسمح لهم بأن يرجعوا إلى البلاد، لا بلادهم، ولا بلاد غيرهم، فقوله تعالى: ﴿أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ﴾ أي: ينفون من الأرض التي يقطعون بها الطريق، فننفيهم عن البلدان، وعن الأماكن التي يطرُقها الناس؛ لأن المقصود من النفي هو إزالة شرهم وإخافتهم للناس.
وقال بعض العلماء: إن النفي هو الحبس؛ لأن الحبس هو سجن الدنيا، وهو كذلك، والذي في الحبس ليس في الدنيا ولا في الآخرة، ليس في الدنيا مع الناس، وليس في الآخرة مع الأموات، فهو منفي من الأرض، ولأن حبسه أقرب إلى السلامة من شرِّه؛ لأننا لو نفيناهم عن البلدان وعن الطرقات، ربما يُغيرون في يوم من الأيام في غرة الناس ويقطعون الطريق، لكن إذا حبسوا أُمِنَ شرهم نهائياً، وهذا مذهب أبي حنيفة.
وكما نعلم أن مذهب أبي حنيفة دائماً مبنيٌّ على المعقول، ولكن لا يسعفه ظاهر الآية ﴿أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ﴾، وإلا لقال الله: أو يحبسوا، فلما قال: ﴿يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ﴾، فإننا نقول: ينفوا من الأرض، ولو قال قائل بأنه إذا لم يمكن اتقاء شرهم إلا بحبسهم حبسوا، وإن أمكن اتقاء شرهم بتشريدهم شردوا، لو قال قائل بهذا لكان له وجهٌ، وكان بعض قول من يقول: يحبسون مطلقاً، ومن يقول: يشردون مطلقاً، يعني نجعل المسألة على التفصيل، على اختلاف حالين، ونقول: إذا أمكن اتقاء شرهم بتشريدهم فعلنا اتباعاً لظاهر النص، وإذا لم يمكن فإننا نحبسهم؛ لأن هذا أقرب إلى دفع شرهم.
فتبين بذلك أن عقوبة قُطَّاع الطريق أربعة أنواع، ولكل نوع جريمة: