للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُستخبث، ومن الذي يستخبثه؟ قال في الروض: «ذوو اليسار» (١) أي: ذوو الغِنى، يعني أن الشيء الذي يستخبثه الأغنياء من الحيوانات فهو حرام، والدليل قوله تعالى في وصف النبي : ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطِّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ [الأعراف: ١٥٧] قالوا: إذاً كل ما عدَّه الناس خبيثاً فهو حرام، فهذا الدليل صحيح، ولكن الاستدلال به غير صحيح؛ لأن معنى الآية أن الرسول لا يحرم إلا ما كان خبيثاً، وأن ما حرمه الشرع لا تسأل عنه، فهو لا يحرم إلا الخبيث، وليس المعنى كل ما عددته خبيثاً فهو حرام؛ لأن بعض الناس قد يستخبث الطيب، ويستطيب الخبيث، فَيُعلنون عن الدخان ويقولون: طيب النكهة، لذيذ في طعمه، وطيب في رائحته، وطيب في لفافته، فيُلف لفاً طيباً، وطيب في عقبه، فتنتهي السيجارة قبل أن تشوي الفم، فيولونه من الأوصاف الطيبة ما يجعله من أطيب الطيبات، فهل ينقلب هذا الخبيث طيباً؟! لا. أبداً.

ورأينا من الناس من يستخبث الجراد ـ مثلاً ـ حتى إن زميلاً أذكره ـ كان يدرِّس معنا في المعهد ـ يقول: إني حاولت أكل جرادة فكادت نفسي تخرج معها، وعجزت أن أبلعها لكراهتي لها، ولولا أن الله لطف لمِتُّ، إلى هذه الحال يستخبثها!!

إذاً لو رجعنا إلى هذه الأمور لصار الحِلُّ والتحريم أمراً نسبياً، فيكون هذا الشيء عند قوم حلالاً، وعند آخرين حراماً؛


(١) الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (٧/ ٤٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>