للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والله ما نأكل، فحلفوا كلهم، فقال أبو بكر : هذا من الشيطان وأكل، وأكلوا بعد ذلك، فلما أصبحوا غدوا إلى النبي وأخبروه، فقال النبي لأبي بكر : «أنت أبرهم وخيرهم» (١)، ولم يأمره بالكفارة.

وهذا الحديث اختلف فيه العلماء، فبعضهم قال: لم يأمره بها؛ لأن الكفارة معلومة، وفعل أبي بكر من باب الحنث في اليمين إذا كان خيراً، وقد قال النبي لعبد الرحمن بن سمرة : «إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفِّر عن يمينك، وائت الذي هو خير» (٢)، فهذا من باب الحنث للخير، والكفارة لا تسقط به.

وقال بعض العلماء: ليس هذا حنثاً في الواقع؛ لأن أبا بكر لم يقصد إلزامهم بذلك، وإنما قصد إكرامهم به، والإكرام حصل، ثم هؤلاء الذين أبوا أن يأكلوا قصدوا إكرامه أيضاً، فالإكرام حصل من الطرفين، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، وقال: إن الحنث معناه الإثم، فأبو بكر ما قصد الإلزام، وهم ما قصدوا تحنيث أبي بكر، فكل منهم قصد الإكرام، والإكرام قد حصل، فحينئذ لا يكون هناك حنث، ولا شك أن دلالة حديث أبي بكر على ما اختاره شيخ


(١) أخرجه البخاري في الأدب/ باب ما يكره من الغضب والجزع عند الضيف (٦١٤٠)، ومسلم في الأشربة/ باب إكرام الضيف وفضل إيثاره (٢٠٥٧) عن عبد الرحمن بن أبي بكر ، وهذا لفظ مسلم.
(٢) سبق تخريجه ص (١٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>