في الحقيقة ليس هناك دليل واضح في الموضوع، إلا أن يقول قائل: إن دليلنا حديث كعب بن عُجرة ﵁، حين أذن له النبي ﷺ أن يحلق، ويطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع (١)، فعيَّن لكل مسكين نصف صاع، فيقاس عليه البقية، والمسألة تقريبية، وليست حدّاً معروفاً.
وإذا تأملت وجدت أن الإطعام، والمطعم له ثلاث حالات:
تارة يقدَّر المعطى دون الآخذ، وتارة يقدر الآخذ دون المعطى، وتارة يقدر المعطى والآخذ:
مثال ما قُدر فيه المعطى دون الآخذ: زكاة الفطر، فهي مقدرة بصاع على كل شخص، لكن لم يقدر فيها من يدفع له، ولهذا يجوز أن توزع الفطرة على أكثر من مسكين، ويجوز أن تعطى عدة فطرات لمسكين واحد، فهذا قدر فيه المعطى دون الآخذ، وإن شئت قلت: قدر فيه المدفوع دون المدفوع إليه.
ومثال ما قدِّر فيه المدفوع والمدفوع إليه: فدية الأذى، قال رسول الله ﷺ:«أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع»(١).
ومثال ما قدر فيه المدفوع إليه دون المدفوع: كفارة اليمين، ولهذا قال شيخ الإسلام ﵀: ما دام الشرع لم يقدر
(١) أخرجه البخاري في المحصر/ باب قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا﴾ (١٨١٤)، ومسلم في الحج/ باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى (١٢٠١) عن كعب بن عجرة ﵁.