قوله:«ومن نذر صوم شهر لزمه التتابع» يعني لزمه أن يصوم متتابعاً، ونذر صوم الشهر على قسمين:
الأول: أن ينذر شهراً بعينه، كربيع الأول ـ مثلاً ـ فهذا يلزمه التتابع؛ لضرورة التعيين فما يمكن أن يصومه إلا متتابعاً.
الثاني: أن ينذر شهراً مطلقاً، فيقول: لله علي نذر أن أصوم شهراً، فالمؤلف يرى أنه يلزمه التتابع، وهو المذهب، وذهب بعض العلماء إلى أنه لا يلزمه التتابع، وهذه المسألة فيما إذا لم يكن له نية، أما إن كان له نية فعلى ما نوى، أو يكون له شرط، فعلى ما شرط، يعني لو قال: أنا من نيتي أن أصوم شهراً متتابعاً، قلنا: يلزمك التتابع، أو صرح بالشرط فقال: لله علي نذر أن أصوم شهراً متتابعاً، فيلزمه التتابع.
والصحيح في القسم الثاني أنه لا يلزمه التتابع، ودليل ذلك أنه لو كان الشهر عند الإطلاق يستلزم التتابع لكان اشتراط التتابع في قوله تعالى: ﴿شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾ لغواً لا حاجة إليه، فلما اشترط الله التتابع في الشهرين علمنا بأن الشهر عند الإطلاق لا يستلزم التتابع، وهذا هو الصحيح، فإذا نذر قال: إن شفى الله مريضي فلله علي نذر أن أصوم شهراً، وشفى الله مريضه، فإننا نقول له: صم شهراً، فإذا سألنا: هل أتابع الصوم؟ قلنا: لا يلزمك إلا إن كنت نويت أو اشترطت.
وقوله:«لزمه التتابع» هل يلزمه أن يصوم ثلاثين يوماً، أو لا يلزمه إلا تسعة وعشرون يوماً؟ نقول: إن ابتدأ الصوم من أول يوم من الشهر لم يلزمه إلا الشهر، سواء كان تسعة وعشرين يوماً