في موضع العقوبة؛ لأنه إذا قلنا: كن حليماً في كل شيء، فمعناه أنا قيدناه فلا يتحرك، فينبغي أن يكون حليماً في الموضع الذي يكون فيه الحلم من الحكمة.
فإذا كان الإنسان حليماً في موضع الحلم، وأخاذاً بالعقوبة في موضع الأخذ، فهذا هو الكمال، ولهذا قال ربنا ﷿: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة:٩٨].
قوله:«ذا أناة» الأناة هي التؤدة وعدم التسرع، فيكون القاضي متأنياً فلا يتعجل في الحكم، بل يدرس القضية من جميع الجوانب وخصوصاً في القضايا المعقدة كالمواريث من زمن طويل ومسائل الدماء، وضد ذلك المتسرع في الحكم؛ لأن المقام يحتاج إلى تأنٍ وعدم تسرع ليتصور المسألة من كل الجوانب، ثم يطبقها على الأدلة الشرعية.
وهذه الصفة نقول فيها ما قلنا في الحلم: فإذا كان التأني يفوِّت الفرصة فلا ينبغي أن يتأنى في بعض الأحوال، لأنه سيضيع الحزم، قال الشاعر:
وربما فات قوماً جُلُّ أمرهم
مع التأني وكان الرأي لو عجلوا
فقد يكون الحزم والرأي أن يبادر الإنسان.
قوله:«وفطنة» فلا بد أن يكون ذا فطنة ونباهة، وفراسة، وهذه من الآداب المستحبة على ما قال المؤلف، وانظر إلى سليمان ﵊ لما تحاكمت إليه المرأتان في ابن إحداهما وكان داود ﵊ قضى به للكبرى، فدعا بالسكين لكي يشقه، فقالت الكبرى: نعم، يا