للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والغضب انفعال يحدث للنفس بسبب ما يثير من مخالفة الهوى، فتجد الرجل تنتفخ أوداجه، وتحمر عيناه ووجهه، ويقف شعره، ويفقد وعيه أحياناً، إذ تصل الحال بالغضبان أحياناً حتى لا يدري أفي السماء هو أم في الأرض؟ ولا يدري ما يتكلم به.

والغضب ثلاثة أقسام: غاية، وابتداء، ووسط، فالابتداء لا يضر؛ لأنه ما من إنسان يخلو منه إلا نادراً، والغاية لا حكم لمن اتصف به في أي قول يقوله، والوسط محل خلاف بين العلماء.

ولنضرب لذلك مثلاً برجل طلق وهو غضبان، فإن كان من أول الغضب فطلاقه واقع نافذ، وإن كان في غايته، فطلاقه غير واقع، ولا نافذ، وهذان موضعان متفق عليهما، وإن كان في وسط الغضب فللعلماء في ذلك قولان مشهوران، أصحهما أن الطلاق لا يقع؛ لأن هذا الرجل الغضبان يجد في نفسه شيئاً يرغمه، ويضطره إلى أن يطلق، مع أنه يدري ما يقول، وقد جاء الحديث عن النبي : «لا طلاق في إغلاق» (١).

فالغضب الذي يحرم على القاضي أن يقضي فيه هو الغاية والوسط، والدليل قول النبي : «لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان» (٢)، والتعليل أن الغضبان لا يتصور القضية تصوراً تاماً،


(١) أخرجه الإمام أحمد (٦/ ٢٧٦)، وأبو داود في الطلاق/ باب في الطلاق على غلط (٢١٩٣)، وابن ماجه في الطلاق/ باب طلاق المكره والناسي (٢٠٤٦) عن عائشة .
انظر: التلخيص (١٥٩٨)، والإرواء (٢٠٤٧).
(٢) أخرجه البخاري في الأحكام/ باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان؟ (٧١٥٨)، ومسلم في الأقضية/ باب كراهة قضاء القاضي وهو غضبان (١٧١٧) عن أبي بكرة .

<<  <  ج: ص:  >  >>