كراهة الناس الشهادة، ولأنه إذا عنتهما فإن بعض الناس ليس عنده تلك القوة، فربما يتضعضع، ويضعف في أداء الشهادة، فلا يجوز تعنيتهما، ولا انتهارهما، ولا امتحانهما، إلا إذا صار عنده شك، فلا بأس أن يفرق الشهود، ويطلب من كل واحد شهادة، وينظر هل تتناقض الشهادة أو لا؟
وقوله:«وحكم بها» أي: بعد تمام شروط الحكم، بعد أن يتضح له الحكم الشرعي، وإلا فلينتظر.
قوله:«ولا يحكم بعلمه» يعني لو تخاصم إليه اثنان، وهو يعلم أن المدعي صادق فيما ادعاه، فهل يحكم بعلمه؟ المؤلف يقول: لا يحكم بعلمه، ولو كان يعلم مثل الشمس أنه صادق؛ لأن النبي ﷺ يقول:«إنما أقضي بنحو ما أسمع»(١)، ولم يقل: بنحو ما أعلم، فجعل الحكم مبنياً على الأمور الحسية الظاهرة؛ لئلا يكون القاضي محل تهمة؛ لأنه إذا حكم بعلمه قال الناس: حكم لفلان على فلان، وهو مدعٍ بدون شهود فيتهمونه.
ثم لو فتحنا الباب وقلنا: إن هذا القاضي من أعدل عباد الله ولا يحكم إلا بالحق، يأتي قاضٍ آخر ويحكم بالباطل، ويقول: هذا الذي أعلمه! وهذا ممكن، فلو فتح الحكم للقاضي بعلمه لفسدت أحوال الناس؛ لأنه ليس كل إنسان ثقة، فَسدُّ الباب هو الأولى.
(١) أخرجه البخاري في الحيل/ باب إذا غصب جارية فزعم أنها ماتت … (٦٩٦٧)، ومسلم في الأقضية/ باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة (١٧١٣) عن أم سلمة ﵂.