فهذه البينة وهي الرجلان، أو الرجل والمرأتان، يعتبر فيها العدالة ظاهراً وباطناً، فظاهراً فيما يظهر للناس، بحيث لا يظهر على الإنسان ريبة، ولا تهمة، كرجل يصلي، ومتستر، وما تجد عليه الكذب، وأما باطناً أي: في باطن حاله، وأمره الخفي، وهذا لا يعرف إلا بمعاملته معاملةٍ يَخبُر بها المعاملُ باطن هذا الرجل؛ لأنه يوجد كثير من الناس ظاهرهم الاستقامة، لكن عند المعاملة تجدهم ظلمة، غششة، كذبة، يحلفون الأيمان الكاذبة من أجل الدنيا، وهذا كثير، فلا بد من العدالة ظاهراً وباطناً، ولا يكتفى بالظاهر، فهذا دليل من النظر.
وأما الدليل من الأثر فقالوا: إن الأصل في المسلم عدم العدالة؛ لأن الله قال: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [الطلاق: ٢]، ولم يقل: أشهدوا اثنين منكم، فتخصيص الشاهدين بذوي العدل، يدل على أن هذا وصف زائد على مطلق الإسلام، فلا بد من ثبوت العدالة؛ لأن عندنا إسلام، وعندنا عدالة، والعدالة وصف زائد على الإسلام، والأصل في الوصف عدمه لا وجوده؛ ولهذا قال أكثر أهل العلم: إن الأصل في المسلم عدم العدالة، وهذا قد نقول: إنه لا شك فيه بالنسبة لحق الآدمي، فلا نستبيح أموال الآدميين إلا بمن عرف بالعدالة ظاهراً وباطناً، أما فيما يتعلق بحق الله فإنه ينبغي أن يكتفى بالعدالة ظاهراً.
(١) أخرجه مسلم في الأقضية/ باب القضاء باليمين والشاهد (١٧١٢) عن ابن عباس ﵄.