وقوله:«ويحكم على الغائب» المراد بالغائب هنا، الغائب عن البلد، أو الذي في البلد لكنه مستتر متخفٍّ، لا يمكن الوصول إليه، ففي هذين الحالين يحكم على الغائب إذا ثبت عليه الحق، فإذا جاء رجل إلى القاضي، وقال: أنا أدعي على فلان ابن فلان بمائة ريال مثلاً، فقال: أين هو؟ قال: في مكة، فإنه يحكم عليه إذا جاء المدعي بشاهدين، لأن الغَيْبة هنا بعيدة، مسافة قصر، وإذا كانت بعيدة مسافة قصر حُكم عليه إذا ثبت عليه الحق.
فإن ادعى على هذا الغائب بمائة ريال، فقال القاضي: أين الشهود؟ فقال: ما عندي شهود، لكن حلِّفْه، يقول القاضي: أَحْضِرْهُ وأُحَلِّفْهُ، فلا يحكم عليه إلا إذا ثبت عليه الحق.
فإذا كان المدعى به عيناً بأن قال: أنا أدعي على فلان أنه باع عليَّ بيته، فقال القاضي: إيت بالشهود، فقال: هؤلاء الشهود قد حضروا، فيحكم عليه؛ لأن الحق ثبت، وقد قال النبي ﵊:«البينة على المدعي»(١).
وهذا الذي ذكر المؤلف حكمٌ يحتاج إلى دليل، والدليل قالوا: لأن النبي ﷺ حكم لهند بنت عتبة ﵂ أن تأخذ من مال أبي سفيان ﵁ ما يكفيها وولدها بالمعروف، حيث جاءت إليه تقول: إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي، فقال ﷺ: «خذي ما يكفيك