بأن ثبت الحكم عنده، وحكم على فلان بأنه يجب عليه ثمانون جلدة، حد القذف، لكن لا يحب أن ينفذه هو، أو يخشى أن ينفذه من سطوة المحكوم عليه، فكتب إلى القاضي الثاني: قد ثبت عندي كذا كذا، وحكمت به، فنفِّذْه، فينفذه القاضي الثاني، ويشبه هذا من بعض الوجوه كتابة القضاة اليوم إلى الأمراء، أو إلى الشُّرَط، لتنفيذ ما حكموا به.
قوله:«لا في حدود الله، كحد الزنا، ونحوه» فهذا لا يقبل فيه كتاب القاضي للقاضي، فلو ثبت عند القاضي لا يكتب به إلى القاضي الثاني؛ لأن في هذا نشراً للفواحش، فبدلاً ما كانت القضية لا يعلمها إلا القاضي الكاتب، فإنها ستصل إلى القاضي الثاني، وتكتب في سجلاته، فيكون في هذا نشر للجرائم، وإشاعة للفاحشة، وحينئذٍ فلا يقبل كتاب القاضي إلى القاضي فيما هو من حق الله ﷿، كحد الزنا، وشرب الخمر، وما أشبه ذلك.
وظاهر كلام المؤلف أن التعزيرات يقبل فيها كتاب القاضي إلى القاضي، والحقيقة أن الذي يوجب التعزير فيه ـ أيضاً ـ إشاعة، فالقذف بغير الزنا يوجب التعزير، ترك صلاة الجماعة يوجب التعزير، وما أشبه ذلك، وإذا نشرناها بين الناس انتشرت، ولهذا كان القول الثاني في هذه المسألة وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ومذهب مالك أن كتابة القاضي إلى القاضي تجوز حتى في حقوق الله، حتى في حد الزنا، وشرب الخمر، والسرقة، وترك الصلاة، وغير ذلك مما يوجب التعزير، وأجابوا عن القول