إلى العادة في الواقع، فقد يكون هذا العمل ـ مثلاً ـ مخلاً بالمروءة عند قوم، غير مخلٍّ بالمروءة عند آخرين، وقد يكون مخلاً بالمروءة في زمن غير مخلٍّ بها في زمن آخر، فما دمنا أرجعنا المروءة إلى العادة، وهي ما تعارف الناس على حسنه، فحينئذٍ تكون المسألة بحسب عادات الناس، مثلاً قال العلماء: من الإخلال بالمروءة أن ينام الإنسان بين الجالسين، فإذا نام بين الجالسين سقطت مروءته؛ لأن هذا خلاف المعتاد، وإذا خرج عن مستوى الجالسين سقطت مروءته، مثلاً: تقدم أو تأخر عن الصف تسقط مروءته، وإذا مضغ العلك أمام الناس سقطت مروءته، وإذا أكل في السوق سقطت مروءته، وما دمنا عرفنا أن الضابط في المروءة هو ما تعارف الناس على حسنه فهو مروءة، وما تعارف الناس على قبحه فهو خلاف المروءة.
ولننظر في هذه الأمثلة هل هي مخالفة لما يعتاده الناس؟ فالواحد بين أصحابه في نزهة يمكن أن ينام، ولا يقال: هذا خلاف المروءة، لكن لو يأتي في مجلس علم وينام فإن هذا خلاف المروءة، فالمسألة تختلف، ويقولون: عند الأحباب تسقط الكلفة في الآداب، فقد تكون بين إخوانك وأصحابك وتمد رجلك، وقد تكون في مجلس موقر ما تمد رجلك، ولو مددت رجلك لكان كل الناس يعيبونك، فالمسألة تختلف، ويذكر أن أبا حنيفة ﵀ كان يدرِّس، فجاء ذلك الرجل المهيب بهيئته، وكان الإمام قد مد رجله بين أصحابه فلما رآه كف رجله؛ ظناً منه أن ذلك الرجل من أكابر العلماء، وجعل يقرر في صيام رمضان،