للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قال قائل: أوجبوا عليه الإعادة لظُهور الفرق بينه وبين الجاهل، لأن الجاهل لم يعلم أصلاً بالنَّجاسة؛ فهو معذور، والنَّاسي مفرِّط، فلم يبادر بالغسل فليس بمعذور؟ وكان من هدي الرَّسول أن يُبادر بإزالة النَّجاسة، فالذي بَالَ في المسجد قال: «أريقوا على بولِهِ ذَنُوباً من ماء» (١)، فأمر بالمبادرة، والصبيُّ الذي بَالَ في حِجْرِه دعا بماء فأتبعه إيَّاه (٢)، والإنسان معرَّض للنسيان، ولا سيما إذا كان كثير النسيان، فما هو الجواب؟

الجواب: أننا لم نسقط القضاءَ عن النَّاسي بالقياس على الجاهل حتى يُنْقَض القياس بهذا الفرق، وإنما أسقطناه عن النَّاسي بالدَّليل المستقل وهو قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦].

ثم يقال: إن مبادرة النبيِّ بتطهير النَّجاسة ليس على سبيل الوجوب؛ لأن الله تعالى لم يوجب الوُضُوء، وهو آكد من إزالة النجاسة إلا عند القيام إلى الصَّلاة فقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ﴾ [المائدة: ٦]. فلو أحدث الإنسان قبل الصَّلاة بساعة، لم يجب عليه الوُضُوء، مع أن فيه احتمالاً أن يُصلِّي وينسى أنه أحدث، فإذا كان كذلك لم يكن تأخير التَّطهير تفريطاً، فإذا نسيَ النَّجاسة أو تطهيرها كان معذوراً، وأما العدم بمعنى أن لا يكون عنده ثوب طاهر، ولا يتمكَّن من


(١) متفق عليه، وقد تقدم تخريجه (١/ ٤١٥).
(٢) متفق عليه، وقد تقدم تخريجه (١/ ٣٠، ٤٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>