للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: «أو حرب»، أي: ويجوزُ لُبْس الحرير لحربٍ مع الكُفَّار، وفي بعض النُّسخ «أو جَرَبٍ». أمَّا على نسخة «أو جَرَب» فعطفه على الحِكَّة من باب عطف الخاصِّ على العام؛ لأن الجَرَب حِكَّة. وأمَّا على نسخة «أو حَرْب» فإنه عطف مباين على مباين، وإذا تعارض عندنا أن يكون العطف مبايناً على مباين، أو عطف خاصٍّ على عام فالأَوْلى عطف مباين على مباين؛ لأن عطف الخاصِّ على العام شبه تكرار لبعض أفراده، وقد استُفيد هذا الفرد الذي عُطف من صيغة العموم، وعلى هذا فالنسخة الأُولى أَوْلَى.

فالحرب يجوز فيه لِبَاس الحرير لما في ذلك من إغاظة للكفَّار، فإن الكُفَّار إذا رأوا المسلمين بهذا اللباس اغتاظوا، وانكسرت معنويَّاتهم، وعرفوا أن المسلمين في نعمة، وأن المسلمين أيضاً غير مبالين بالحَرب؛ لأن الرَّجل الذي يتجمَّل بالحرير، كأنه يقول بلسان الحال: أنا لا أهتمُّ بالحرب، ولهذا ذَهَبْتُ ألبسُ هذا الثوب الناعم، ولهذا كانوا في الحرب، ربما يجعلون على عمائمهم ريش النَّعام؛ ليُعرف الرَّجُلُ أنَّه شُجَاع، وأنه غير مبالٍ بالحرب.

ورأى النبيُّ أبا دُجَانة «سِماكَ بن خَرَشَة» يختال في مشيته بين الصفَّين في معركة أُحد، يعني يتبختر، فقال : «إنها لَمِشْيَةٌ يُبْغِضُها الله إلا في مثل هذا الموطن» (١)، لأجل أن يُظهر العلوَّ والفخرَ على هؤلاء الكُفَّار.


(١) رواه محمد بن إسحاق (انظر مختصر السيرة لابن هشام: ٣/ ١٦)، ومن طريقه: الطبري في «التاريخ» (٢/ ٥١١)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (٣/ ٢٣٣). بسندٍ فيه جهالة وانقطاع.
وله شاهد رواه البخاري في «التاريخ الكبير» (٣/ ٥٤). والطبراني في «المعجم الكبير» (٧/رقم ٦٥٠٨) عن خالد بن سليمان بن عبد الله بن خالد بن سماك، عن أبيه، عن جده: أن سماك فذكره.
قال الهيثمي: «فيه مَنْ لم أعرفه». «المجمع» (٦/ ١٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>