للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن لا يمنع أن الإنسان يتطلَّبُ الحكمةَ المناسبة، لأنه يعلم أن أوامر الشَّرع ونواهيه كلها لحكمة، فما هي الحكمة؟ وسؤال الإنسان عن الحكمة في الأحكام الشرعية أو الجزائية أمرٌ جائز، بل قد يكون مطلوباً إذا قُصِدَ به العلم، ولهذا لمَّا قال الرسول في النساء: «إنَّكُنَّ أكثرُ أهلِ النَّارِ»، قُلْن: بِمَ يا رسولَ الله؟ فسألن عن الحِكمة؟ قال: «لأنَّكُنَّ تُكثِرْنَ اللَّعنَ وتَكْفُرْنَ العَشير» (١).

وأما إذا قصد أنَّه إن بانت العِلَّة امتثل وإلا فلا، فالسؤال حينئذ حرام؛ لأنه لازمُه قَبُول الحقِّ إنْ وافق هواه، وإلا فلا

وقد اختلف العلماء في التَّعليل للنَّهي عن الصَّلاة في أعطان الإبل من حيثُ النظرُ (٢)، فقال بعضهم: إننا لا نعلم الحكمة، والحكم الشرعي الذي لا تُعلم حكمته يُسمَّى عند أهل العلم تعبُّديًّا. إذاً؛ الحكمةُ تحقيق العبادة بالتسليم لله، سواء علمنا الحكمة في ذلك أم لم نعلم، وهذه والله حكمة عظيمة. فرميُ الحصى في محلِّ الجمرات في الحَجِّ، لو قال قائل ما حكمته؟ قلنا: حكمته التعبُّد لله: «إنَّما جُعلَ الطَّوافُ بالبيت، وبالصَّفا والمروة، ورميُ الجِمَار؛ لإقامة ذِكْرِ الله» (٣). فالتعبُّد لا


(١) رواه مسلم، كتاب الإيمان: باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات … ، رقم (٧٩) من حديث عبد الله بن عمر ..
(٢) انظر: «إعلام الموقعين» (١/ ٣٩٦)، «نيل الأوطار» (٢/ ١٤١).
(٣) سخة دار الكتب المصريَّة، «سنن البيهقي» (٥/ ١٤٥)، «تحفة أشراف» (١٢/ ٢٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>