للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلهذا شُرع تقديمُ الاستعاذة على القِراءة في الصَّلاةِ وخارج الصلاة.

بل قال بعض العلماء (١): بوجوب الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم عند قراءة القرآن لقوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ *﴾ [النحل].

ومعنى: «أعوذ بالله» أي: ألتجئ وأعتصم به؛ لأنه هو الملاذُ وهو المعاذُ، فما الفَرْق بين المعاذ والملاذ؟

قال العلماء: الفَرْق بينهما: أن اللِّياذ لطلب الخير، والعياذ للفرار من الشرِّ، وأنشدوا على ذلك قول الشاعر:

يا مَنْ ألُوذُ به فيما أُؤَمِّلُهُ ومَنْ أعُوذُ به مِمَّا أُحاذِرُهُ

لا يَجْبُرُ النَّاسُ عظماً أنت كاسِرُهُ ولا يَهيضُونَ عظماً أنت جَابِرُهُ

ومعنى: «مِن الشيطان الرجيم» الشيطان: اسمُ جنْسٍ يشمَلُ الشيطان الأول الذي أُمِرَ بالسُّجود لآدم فلم يسجدْ، ويشمَلُ ذُرِّيَّته، وهو مِن شَطَنَ إذا بَعُدَ؛ لبعده من رحمة الله، فإن الله لَعَنَهُ، أي: طَرَدَه وأبعدَه عن رحمته. أو مِن شَاطَ إذا غَضِبَ؛ لأنَّ طبيعته الطَّيشُ والغضبُ والتسرُّعُ، ولهذا لم يتقبَّل أمْرَ الله بالسُّجودِ لآدم، بل ردَّه فوراً، وأنكرَ السُّجودَ له وقال: ﴿أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً﴾ [الإسراء: ٦١]، والمعنى الأول هو الأقربُ، ولذلك لم يُمنعْ من الصَّرْفِ؛ لأنَّ النون فيه أصليّة.

وأما الرجيم: فهو بمعنى: راجم، وبمعنى: مرجوم؛ لأن


(١) «المجموع» (٣/ ٢٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>