للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونظير هذا من بعض الوجوه: أنَّ الرسول كان إذا رأى شيئاً يعجبه من الدنيا يقول: «لبيكَ، إنَّ العيشَ عيشُ الآخرة» (١) لأن الإنسان إذا رأى ما يعجبُه مِن الدُّنيا رُبَّما يلتفت إليه فيُعرض عن الله، فيقول: «لبيك» استجابةً لله ﷿، ثم يوطِّنُ نفسه فيقول: «إنَّ العيشَ عيشُ الآخرة» فهذا العيش الذي يعجبك عيش زائل، والعيش حقيقة هو عيش الآخرة، ولهذا كان من السُّنَّة إذا رأى الإنسانُ ما يعجبُه في الدُّنيا أن يقول: «لبيك، إن العيشَ عيشُ الآخرة».

وما المراد بالعلو في قول: «سبحانَ ربِّيَ الأعلى» أعلوُّ المكان، أم علوُّ الصفة؟

الجواب: يشمَلُ الأمرين جميعاً، وهذا متفق عليه في فِطَرِ الناس؛ إلا مَن اجتالتْهُ الشياطين عن فطرته، فإن علوَّ الله ﷿ علو ذات، أمرٌ مفطور عليه الخلق، فلو أنك قلت للعامي: ماذا تريد بقولك «سبحان رَبِّيَ الأعلى»؟ لقال: أريد أنه فوق كلِّ شيءٍ، ولا يدري عن علوِّ الصِّفة، ومع ذلك فقد أنكر علوه في ذاته مَنْ أنكر ممن يستقبلون قبلتنا، ولا شَكَّ أنهم خالفوا الكتابَ والسُّنَّةَ وإجماعَ السَّلفِ والعقلَ والفطرةَ، ولو رجعوا إلى فِطَرهم لعلموا أن الإيمان بعلوِّ الله تعالى بذاته أمرٌ لا بُدَّ منه، ولا بُدَّ من الإقرار به، فهم عندما يصيبهم شيءٌ تنصرفُ قلوبُهم إلى السَّماء إلى العلوِّ.


(١) أخرجه ابن أبي شيبة، كتاب الحج، باب في الحج على الرحل أفضل من المحمل (١٥٨٠١) (٤/ ١٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>