للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٤١٤ - (خ م د س) عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: «كانوا يَرَونَ (١) العمرةَ في أشهر الحجِّ من أَفْجرِ الْفُجُورِ في الأَرض، ⦗١٣٥⦘ وكانوا يُسَمُّونَ الْمُحَرَّمُ صفَر (٢) ، ويقولون: إذا بَرَأ الدَّبَرْ، وعَفَا الأَثَرْ، وانْسَلَخَ صَفَرْ: حَلَّتِ العمرةُ لمن اعتَمَرْ، قال: فقَدِمَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابُهُ صَبيحَةَ رابعَةٍ، مُهلِّينَ بالحجِّ، فأمرَهُمْ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: أن يَجْعَلُوها عُمْرَةً، فَتَعَاَظَمَ ذلك عندهم، فقالوا: يا رسول الله، أيُّ الْحِلِّ؟ قال: الحِلُّ كُلُّهُ» .

قال البخاري: قال ابن المديني: قال لنا سفيان: «كان عَمْرو يقول: إنَّ هذا الحديث له شأْنٌ» . ⦗١٣٦⦘

وفي أخرى قال: «قَدِمَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابُهُ لِصُبْحِ رِابِعَةٍ يُلَبُّونَ بالحجِّ، فأمرهم: أن يجعلوها عمرةً، إلا من معه هَدْيٌ» .

وفي أخرى قال: «أَهلَّ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بالحج، فقدِمَ لأربَعٍ مَضَيْنَ من ذي الحِجَّةِ، فَصَلَّى الصُّبْحَ، وقال -حين صلى -: مَنْ شَاء أن يَجْعلها عمرةً فليجعلها عمرةً» .

ومنهم من قال: «فصلَّى الصبحَ بالْبَطْحَاءِ» .

ومنهم من قال: «بذِي طوىً» (٣) .

هذه روايات البخاري ومسلم.

وعند مسلم أيضاً قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «هذه عمرة اسْتمْتَعْنا بها، فمن لم يكنْ معه الهديُ فَلْيَحِلَّ الْحِلَّ كُلَّهُ، فَإنَّ العمرةَ قد دخلتْ في الحجِّ إلى يوم القيامةِ» .

وأخرج أبو داود الرواية الأولى من الْمُتَّفَقِ، وأخرج الرواية التي انفرد بها مسلم.

وأخرج أخرى قال: «والله، ما أعْمَرَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عائشة في ذي ⦗١٣٧⦘ الحجَّةِ إلا ليَقطَعْ بذاك أمْرَ أهْل الشِّركِ، فإنَّ هذا الحيَّ من قُرَيشٍ ومَن دَانَ بِدِينهم،، كانُوا يقَولُونَ: إذاَ عَفَا الْوَبَرْ، وبَرَأ الدَّبَرْ، ودَخَلَ صَفَرْ، فقد حَلَّتِ العمرةُ لمن اعْتَمَرْ، فكانُوا يُحَرِّمُونَ العمرةَ، حتَّى يَنْسَلِخَ ذُو الحِجة والمحرم» .

وله في أخرى: قال: «أهَلَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-[بالحج] ، فلما قَدِمَ، طاف بالبَيْتِ، وبين الصفا والمروةِ - قال ابن شَوْكَرٍ: ولم يُقَصِّرْ، ثم أتَّفَقَا - قال: ولم يَحِلَّ من أجْلِ الهدْي، وأمَرَ مَنْ لَمْ يكن ساقَ الْهَدْيَ: أنْ يَطُوفَ ويَسْعَى، ويُقَصِّرِ، ثم يَحِلَّ- قال ابن منيع في حديثه: أو يَحْلِق، ثُمَّ يَحِلَّ» .

وأخرج النسائيُّ الرِّوَايَةَ الأُولى، وقال: «عَفَا الْوَبَرْ» . بَدَلَ «الأثر» .

وزاد بعد قوله: «وانْسَلَخَ صَفَر» أو قال: «دخَلَ صفر» .

وأخرج الرواية التي انفرد بها مسلم.

وفي أخرى للنسائي قال: «أَهَلَّ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بالعمرةِ، وأهَلَّ أصْحَابُهُ بالحجِّ، وأمر من لم يَكُنْ معه الهديُ: أن يَحِلَّ، وكان فيمن لم يكن معه الهديُ: طَلْحةُ بنُ عُبيد الله، ورجلٌ آخر، فَأحَلا» .

وفي أخرى له قال: «قَدِمَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابُهُ لصبْحِ رابعةٍ، وهم ⦗١٣٨⦘ يُلَبُّونَ بالحجِّ، فأَمرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يَحِلُّوا» .

وفي أخرى له «لأرَبعٍ مَضَيْنَ من ذي الحِجَّةِ، وقد أهَلَّ بالحج وصلَّى الصبحَ بالبَطْحَاءِ، وقال: مَنْ شَاءَ أن يَجْعَلها عمرةً فَلْيَفْعَلْ» .

وأخرج الترمذيُّ من هذا الحديث طرفاً يسيراً: أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «دخَلتِ العمرةُ في الحج إلى يوم الْقِيامَةِ» .

وحيث اقْتصَرَ على هذا القدر منه لم أُثبِت له علامة، وقنعْتُ بالتنبيه عليه في المتن (٤) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(ليلة الحصبة) : التحصيب: النوم بالشعب الذي مخرجه إلى الأبطح ساعة من الليل، وكان موضعاً نزله النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير أن يسنه للناس، فمن شاء حصب، ومن شاء لم يُحَصِّب. والمحصب أيضاً: موضع الجمار بمنى، وليس هذا. ⦗١٣٩⦘

(أفجر الفجور) : الفجور: الميل عن الواجب يقال للكاذب: فاجر، وللمكذب بالحق: فاجر.

(برأ الدَّبَر) : الدَّبَر: جمع دَبْرَة وهي العقر في ظهر البعير. تقول: دبر البعير بالكسر وأدْبره القَتَب.

(عفا) الشيء: إذا زاد وكثر ونما. والوبر: وبر الإبل. وأما الرواية الأخرى وهي «عفا الأثر» : فإن عفا بمعنى درس.

(حلّت العُمرة لمن اعتمر) : كانوا لا يعتمرون في الأشهر الحرم حتى تنسلخ، فذلك معنى قوله: «ودخل صفر حلت العمرة لمن اعتمر» لأن بدخول صفر تنسلخ الأشهر الحرم، وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم.

(دان بدينهم) : الدِّين: الطاعة. ودان فلان بدِين كذا: أخذ به وتابعه واقتدى به.

(دخلت العمرة في الحج) : قال الخطابي: اختلف الناس في تأويل ذلك. فقالت طائفة: إن العمرة واجبة، وإليه ذهب الشافعي، وقال أصحاب الرأي: ليست واجبة، واستدلوا على ذلك بقوله: «دخلت العمرة في الحج» فسقط فرضها بالحج. وقال الموجبون: إن عملها قد دخل في عمل الحج. فلا نرى على القارن أكثر من إحرام واحد. وقيل: بل معناه: أنها قد دخلت في وقت الحج وشهوره. وكان أهل الجاهلية لا يعتمرون في ⦗١٤٠⦘ أشهر الحج. فأبطل النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك.


(١) قوله: " يرون " أي يعتقدون. والمراد: أهل الجاهلية. وقد روى ابن حبان عن ابن عباس ⦗١٣٥⦘ قال: " والله ما أعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة في ذي الحجة إلا ليقطع بذلك أمر أهل الشرك، فإن هذا الحي من قريش ومن دان دينهم: كانوا يقولون - فذكر نحوه " فعرف بهذا تعيين القائلين. قاله الحافظ في " الفتح ".
(٢) قال الحافظ في " الفتح " (ج ٣ ص ٣٣٧) قوله: " ويجعلون المحرم صفر " كذا هو في جميع الأصول من الصحيحين " صفر " من غير ألف بعد الراء.
قال النووي: وكان ينبغي أن يكتب بالألف، ولكن على تقدير حذفها لا بد من قراءته منصوباً، لأنه مصروف.
قال الحافظ: يعني: والمشهور عن اللغة الربيعية: كتابة المنصوب بغير ألف، فلا يلزم من كتابته بغير ألف: أن لا يصرف، فيقرأ بالألف. وسبقه عياض إلى نفي الخلاف فيه. لكن في " المحكم ": كان أبو عبيدة لا يصرفه. فقيل له: إنه لا يمتنع الصرف حتى يجتمع علتان فما هما؟ قال: المعرفة والساعة. وفسره المطرزي: بأن مراده بالساعة: أن الأزمنة ساعات، والساعة مؤنثة. اهـ.
وحديث ابن عباس هذا حجة قوية لأبي عبيدة، ونقل بعضهم أن في صحيح مسلم " صفراً " بالألف: وأما جعلهم ذلك، فقال النووي: قال العلماء: المراد: الإخبار عن النسيء الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية، فكانوا يسمون المحرم صفراً ويحلونه، ويؤخرون تحريم المحرم إلى نفس صفر، لئلا تتوالى عليهم ثلاثة أشهر محرمة، فيضيق عليهم فيها ما اعتادوه من المقاتلة والغارة بعضهم على بعض، فضللهم الله في ذلك، فقال {إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا ... } الآية. اهـ.

(٣) قوله " بذي طوى " بفتح الطاء وضمها وكسرها. ثلاث لغات حكاهن القاضي وغيره. الأصح الأشهر: الفتح، ولم يذكر الأصمعي وآخرون غيره، وهو مقصور منون، وهو واد معروف بقرب مكة. قال القاضي: ووقع لبعض الرواة في البخاري بالمد، وكذا ذكره ثابت، قاله النووي.
(٤) أخرجه البخاري ٣ / ٣٣٧ و ٣٣٨ في الحج، باب التمتع والقران والإفراد بالحج وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي، وفي فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب أيام الجاهلية، وأخرجه مسلم رقم (١٢٤٠) و (١٢٤١) في الحج، باب جواز العمرة في أشهر الحج، وأبو داود رقم (١٩٨٧) في الحج، باب العمرة، ورقم (١٧٩٢) في المناسك، باب في إفراد الحج، والنسائي ٥ / ١٨٠ و ١٨١ و ٢٠١ و ٢٠٢ في الحج، باب الوقت الذي وافى فيه النبي صلى الله عليه وسلم مكة، وباب إباحة فسخ الحج بعمرة لمن لم يسق الهدي، وأخرجه أيضاً أحمد في مسنده ١ / ٢٥٢.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح: لفظ الحديث من رواية طاوس، عنه:
١ - أخرجه أحمد (١/٢٥٢) (٢٢٧٤) قال: ثنا عفان. والبخاري (٢/١٧٥) قال: حدثنا موسى بن إسماعيل. وفي (٥/٥١) قال: حدثنا مسلم. ومسلم (٤/٥٦) قال: حدثني محمد بن حاتم. قال: حدثنا بهز. والنسائي (٥/١٨٠) قال: أخبرنا عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى، قال: حدثا أبو أسامة. خمستهم (عفان، وموسى بن إسماعيل، ومسلم بن إبراهيم، وبهز، وأبو أسامة) عن وهيب بن خالد، قال: حدثنا عبد الله بن طاوس.
٢ - وأخرجه البخاري (٣/١٨٥) قال: حدثنا أبو النعمان، قا: حدثنا حماد بن زيد، قال: أخبرنا عبد الملك بن جريج.
كلاهما - ابن طاوس، وابن جريج - عن طاوس، فذكره.
رواية ابن جريج مختصرة على آخره.
ورواية مجاهد، عنه:
أخرجه أحمد (١/٢٣٦) (٢١١٥) و (١/٣٤١) (٣١٧٢) . والدارمي (١٨٦٣) . ومسلم (٤/٥٧) . وأبو داود (١٧٩٠) . والنسائي (٥/١٨١) .
* وقال أبو داود: هذا منكر، إنما هو قول ابن عباس.

<<  <  ج: ص:  >  >>