للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يشرك به» (١)، أيُّ عفو أعظم من هذا؟ وأي جزاء سيئة بحسنة كهذه؟ ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فالعفو خلقة، والإحسان طبيعته -صلى الله علي ٥ هـ وسلم-، كان فتحُ مكة نصرا كبيرا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين -رضي الله عنهم-، وقد أمكنه الله من قريش الذين كذبوه وآذوه وأصحابه، وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم، أمكنه الله منهم يوم الفتح، فقال لهم حين اجتمعوا في المسجد: «ما ترون أني صانع بكم؟ قالوا: خيرا أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء» (٢)، عفو شامل لأمة أخرجته طريدا، وآذته أشد الأذى.

قوله: الحمادون: هذه صفة المؤمنين به من أمته فذكر من صفاتهم أنهم الحمادون، أي: كثيروا الحمد لله -عز وجل- والثناء عليه تعالى في السراء والضراء، وهذا عام في كل الأحوال، وقد تجلت هذه الصفة في أكمل صورها في حياة الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: «خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» (٣)، ولقد أقام الله سبحانه في القرون الثلاثة الأولى الخيرة: رجالا تلقوا هذا الدين بفهم وبصيرة، وحب وولاء، وإعزاز وتكريم، فآثروه على أنفسهم، وأهليهم وأولادهم وديارهم (٤)، وذكر من صفاتهم أنهم يكبرون على كل نجد، المراد أنهم يكبرون الله -عز وجل- في كل الأحوال، وأشار بقوله: على كل نجد، ما يكون من التلبية والتكبير في الطريق إلى الحج، وفي التنقل بين المشاعر، وكذلك في حالات الفتح و


(١) البخاري حديث (٣٠٥٩).
(٢) السنن الكبير للبيهقي ٩/ ١١٨.
(٣) البخاري حديث (٢٥٠٨).
(٤) الموطأ ١/ ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>