قال: ثم قلنا له: سل النبي -صلى الله عليه وسلم- "، قال: فقال له: " يا نبي الله، كيف يرفع العلم منا وبين أظهرنا المصاحف وقد تعلمنا ما فيها، وعلمنا نساءنا وذرارينا وخدمنا؟ " قال: فرفع النبي -صلى الله عليه وسلم- رأسه وقد علت وجهه حمرة من الغضب قال: فقال: «أي ثكلتك أمك وهذه اليهود والنصارى بين أظهرهم المصاحف لم يصبحوا يتعلقون بحرف مما جاءتهم به أنبياؤهم، ألا وإن من ذهاب العلم أن يذهب حملته» ثلاث مرار.
قوله:«قَالَ: فَغَضِبَ».
هو ما ذكر آنفا من أمر الحمرة التي علت وجهه -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن وجود الكتاب بعد ذهاب العلماء العارفين به لا يجدي شيئا.
قوله:«لَا يُغْضِبُهُ اللَّهُ».
هذا دعاء من أبي أمامة -رضي الله عنه- بأن لا يغضب الله نبيه -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن في غضبه هلاك الأمة.
قوله:«ثَكِلَتْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ».
هذا دعاء بفقد أمهاتهم لهم؛ لأن الأم الثكلى من فقدت ولدها، وليس المراد حقيقة الدعاء، بل ذلك عادة في العرب، لا يقصد به الهلاك.
في هذا ابطال استدلالهم ببقاء كتاب الله فيهم وهو القرآن؛ لأن وجود كتاب الله -عز وجل- لا ينفع إذا لم يوجد من يتعلم أحكامه ومقاصده، ويعلمها للناس، فالتوراة والإنجيل بقيت في بني إسرائيل، بعد ذهاب العلماء العارفين بها فلم يغن بقاؤها في الجاهلين بها شيئا.