للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يؤكد ذلك ويصدقه في كتابهم التوراة والإنجيل، فالفريقان في خلاف بعيدٌ أمده لا يلتقيان إلى يوم القيامة؛ لأنه خلاف على الإيمان وأجاز بعض العلماء أن يراد بالكتاب التوراة والإنجيل، والذين اختلفوا فيه اليهود والنصارى، وأجازوا أيضا أن يراد به القرآن، والذين اختلفوا فيه هم مشركوا العرب اختلفوا في وصفه بأنه شعر أو سحر وغير ذلك، فهدى الله المؤمنين إلى الحق، قال تعالى: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢١٣)} (١)، وهذا أمر جرى به القلم، وقد علم الله -عز وجل- مسبقا أهل الهداية، وعلم كذلك أهل الضلال، وكل ميسر لما خلق له، فالهداية بيده وحده لا شريك له، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

ولخطورة الخلاف في الثوابت الشرعية توعد الله -عز وجل- المخالفين فوجه نبيه -صلى الله عليه وسلم- بذلك الوعيد فقال: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} (٢)، بين أنه القادر على أن يرسل عليهم بعض ما عنده من العذاب؛ فيرسل عليهم عذابا من السماء، أو يبعثه من الأرض من تحت أرجلهم، أو يجعلهم طوائف وأحزابا، والفرقة وشتات الأمر نوع من العذاب، أو يقتل بعضهم بعضا، وانغماس المكذبين في الضلال، وبعدهم عن الهدى قال الله -عز وجل- لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (٣)، المراد عموم من خالفوا في الدين الحق، ووصفهم بالشيَع؛ لأن كل طائفة منهم لها فرق واختلافات، ففي الآية حض لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- على الائتلاف وعدم الاختلاف، وقوله: {لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} لست على منهجهم أنت على هدى، وليسوا منك، هم أهل البدع، وأهل الشبهات، وأهل الضلالة من هذه الأمة، والحكم فيهم إلى الله -عز وجل- يوم القيامة، ومن تأمل ما عليه الرافضة اليوم من الاختلافات فيما يزعمون أنه


(١) من الآية (٢١٣) من سورة البقرة.
(٢) من الآية (٦٥) من سورة الأنعام.
(٣) من الآية (٦٥) من سورة الأنعام.

<<  <  ج: ص:  >  >>