للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعلومٌ أن هذا لا يُقال إلا بعد السَّلام فيكون قوله: «أدبار الصَّلوات المكتوبة»، أي: بعد السَّلام.

فنقول: هذا الفهم للحديث غير متعيِّن، بل يجب أن يُحمل على أنه المراد بالأدبار آخرُ الصَّلوات؛ بدليل حديث ابن مسعود، حيث أمره النبيُّ بالدُّعاء بعد التشهُّدِ (١)، والسُّنَّة يُفسِّر بعضُها بعضاً، أما أدبار الصَّلوات فقد أرشد الله عبادَه إلى أن يذكروا الله بعدَها فقال: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ﴾ [النساء: ١٠٣]، وليس فيه الأمر بالدُّعاء.

وعلى هذا فنقول: ما وَرَدَ مقيَّداً بدُبُر الصَّلاة، فإن كان ذِكْراً فهو بعد السَّلام، وإن كان دُعاء فهو قبل السَّلام.

فإن قال قائل: دُبُرُ الشيء بعدَه كما في الحديث: «أن رَجُلاً أعتقَ غلاماً له عن دُبُرٍ» (٢)، أي: بعد موته؟

الجواب: أن الدُّبُر ما كان الشيء مستدبراً له، وقد يكون منه، وقد لا يكون منه، والذي يُعيِّن كونه منه أو ليس منه القرائن والسِّياق، ولهذا يقال: دُبُر الحيوان وهو منه، فالدُّبر يُفسَّر في كلِّ موضع بما يقتضيه الحال والسِّياق.

بقي علينا المحافظة على الدُّعاء بعدَ النَّافلة كما يفعله بعضُ العوام، فهم يحافظون عليه محافظةً شديدة، حتى إن بعضَهم إذا أُقيمت الصَّلاةُ وهو يُسلِّم مِن النَّافلة، وقبل أن يقوم يُصلِّي


(١) تقدم تخريجه ص (١٥١).
(٢) أخرجه البخاري، كتاب كفارات الإيمان، باب عتق المدبر وأم الولد (٦٧١٦)؛ ومسلم، كتاب الأيمان، باب جواز بيع المدبر (٩٩٧) (٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>