للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذات ليلة والنَّاسُ يصلُّون، فقال: نِعْمَتِ البِدْعةُ هذه (١)، وهذا يدلُّ على أنَّه لم يسبقْ لها مشروعية. وعلى هذا؛ فتكون مِن سُنَنِ عُمرَ لا مِن سُننِ النَّبيِّ ، وحينئذٍ لنا أنْ نعارضَ فنقول: إنها ليست بسُنَّة؛ لأن سببها وُجِدَ في عهد الرَّسول ولم يفعله، والقاعدة: أنَّ ما وُجِدَ سبُبُه في عهد النَّبيِّ ولم يفعلْه فإنَّه ليس بسُنَّة، لأنه كيف يتركه الرَّسولُ والسببُ موجود؟ والسبب هنا رمضان؛ وهو موجود في عهد الرَّسول ، فلمَّا لم يفعلها لم تكن سُنَّة، وعلى هذا؛ فإذا صَلَّيت الفريضة في رمضان، فاذهبْ إلى بيتك وصَلِّ، ولا تصلِّ مع النَّاس.

ولكن؛ هذا قولٌ ضعيف، غَفَلَ قائلُه عمَّا ثَبَتَ في «الصَّحيحين» وغيرهما أنَّ النبيَّ قام بأصحابه ثلاثَ ليالٍ، وفي الثالثة أو في الرَّابعة تخلَّف لم يُصَلِّ، وقال: «إنِّي خشيتُ أنْ تُفرضَ عليكم» (٢) فثبتتِ التَّراويحُ بسُنَّة النَّبيِّ ، وذَكَرَ النَّبيُّ المانعَ مِن الاستمرار فيها، لا مِن مشروعيَّتها، وهو خَوْفُ أنْ تُفرضَ، وهذا الخوف قد زال بوفاة الرَّسولِ ؛ لأنه لمَّا مات انقطع الوحي فأُمِنَ مِن فرضيتها، فلمَّا زالت العِلَّةُ وهو خَوْفُ الفرضية بانقطاع الوحي ثَبَتَ زوال المعلول، وحينئذٍ تعود السُّنيَّة النبويَّة لها، ويبقى النَّظرُ؛ لماذا لم يفعل هذا أبو بكر؟

والجواب عن ذلك: أنْ يُقال: إن مُدَّة أبي بكر كانت سنتين وأشهراً، وكان مشغولاً بتجهيز الجيوش لقتال


(١) أخرجه البخاري، كتاب صلاة التراويح، باب فَضْل من قام رمضان (٢٠١٠).
(٢) تقدم تخريجه ص (٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>