للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المرتدِّين وغيرهم، فكان مِن النَّاس مَن يُصلِّي وحدَه، ومنهم مَن يُصلِّي مع الرَّجُلين، ومنهم مَن يُصلِّي مع الثَّلاثة، فلما كان عُمرُ خرج ذات ليلة فوجدهم يُصلُّون أوزاعاً، فلم يعجبه هذا التَّفرُّق، وأمر تميماً الدَّاريَّ وأُبيَّ بنَ كعب أنْ يقوما للنَّاس جميعاً، ويُصلِّيا بالنَّاس إحدى عشرة ركعة (١)، وبهذا عرفنا أنَّ فِعْلَ عُمرَ ما هو إلا إعادة لأمرٍ كان مشروعاً.

فإن قال قائل: ما تقولون في قول عُمرَ: «نِعْمَتِ البِدعةُ» وهذا يدلُّ على أنها مبتدعة؟

فالجواب: أنَّ هذه البِدعةَ نسبيَّةٌ، فهي بِدعةٌ باعتبار ما سبقها، لا باعتبار أصل المشروعيَّة؛ لأنها بقيت في آخر حياة الرَّسولِ وفي خلافة أبي بكر لم تُقَمْ، فلما استُؤنِفتْ إقامتُها، صارت كأنَّها ابتداء مِن جديد، ولا يمكن لعُمرَ بنِ الخطَّاب أنْ يُثني على بِدعةٍ شرعيَّةٍ أبداً، وقد قال النَّبيُّ : «كُلُّ بِدعةٍ ضلالةٌ» (٢).

والعجبُ أنَّ بعضَ أهل البِدع أخذ مِن قول عُمرَ: «نِعْمتِ البِدعةُ» باباً للبدعة، وصار يبتدع ما شاء ويقول: «نِعْمَت البِدعةُ هذه»، ولا شَكَّ أن هذا مِن الأخذ بالمتشابه، حتى لو فُرضَ أنَّ عُمرَ ابتدعَ ـ وحاشاه مِن ذلك ـ فإنَّ له سُنَّة مُتَّبعة لقوله : «عليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلفاءِ الراشدين مِن بعدي» (٣)


(١) تقدم تخريجه ص (٩).
(٢) أخرجه مسلم، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة (٨٦٧) (٤٣).
(٣) تقدم تخريجه ص (١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>