وناهيك به ـ الذي قال فيه رسولُ الله ﷺ:«إنْ يكن فيكم مُحَدَّثُونَ فعُمَرُ»(١) محدَّثون، أي: مُلهمون للصَّواب، ومع هذا فَعَلَهُ بمحضر الصَّحابة عَلناً على المِنْبَرِ، ولم يُنكرْ عليه أحدٌ، وهذا يدلُّ على أن السُّجود ليس بواجب.
فإن قيل: ما هو الجواب عن الآيات التي استدلَّ بها مَن قال: إنَّه واجب؟
فالجواب: أما قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا﴾ [الحج: ٧٧] فقل: يجب الرُّكوع أيضاً عند التلاوة. أما أن تقول: يجب السُّجود، ولا يجب الرُّكوع؛ فهذا تناقض؛ لأن الدَّليل واحد. وبه نعرف أنَّ قوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا﴾ [الحج: ٧٧] أَمْرٌ بالصَّلاة التي هي ذات رُكوع وسُجود، وأما قوله: ﴿وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ *﴾ [الإنشقاق] فنقول له: أنت لا تقول بهذه الآية، وأنَّ كُلَّ مَن قُرِئَ عليه القُرآنُ وجب عليه أنْ يسجدَ، مع أنَّ ظاهر الآية أنَّ كُلَّ مَن قُرِئ عليه القرآن يجب عليه أنْ يسجد، فالسُّجود هنا بمعنى التَّذلُّل، وليس السُّجود الحَركة المعروفة، أي: إذا قُرِئَ عليهم القرآن لا يذلُّون له، وهذا ثابتٌ لكُلِّ القرآن، فكلُّ القرآن يجب أن تَذِلَّ له.
وأما مَدْحُ الملائكةِ بالسُّجودِ؛ فالمراد بالسُّجود: الصَّلاة؛
(١) أخرجه البخاري، كتاب فضائل أصحاب النبي ﷺ، باب مناقب عمر بن الخطاب ﵁ (٣٦٨٩)؛ ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر (٢٣٩٨) (٢٣).