للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمِن العلماءِ مَن قال: لا تعادُ الجماعةُ، بل يصلُّون فُرادى.

ومِنهم مَن قال: بل تُعادُ، وهذا القول هو الصَّحيحُ، وهو مذهبُ الحنابلةِ، ودليل ذلك:

أولاً: حديث أُبيّ بن كعب أنَّ النبيَّ قال: «صلاةُ الرَّجُلِ مع الرَّجُلِ أزكى مِن صلاتِهِ وحدَهُ، وصلاتُه مع الرَّجُلين أزكى مِن صلاتِهِ مع الرَّجُلِ، وما كان أكثرُ فهو أحبُّ إلى اللهِ» (١)، وهذا نصٌّ صريحٌ بأنَّ صلاةَ الرَّجُلِ مع الرَّجُلِ أفضلُ مِن صلاتِهِ وحدَه، ولو قلنا: لا تُقامُ الجماعةُ لزم أَنْ نجعلَ المفضولَ فاضلاً، وهذا خِلافُ النَّصِّ.

ثانياً: أن الرسولَ كان جالساً ذاتَ يومٍ مع أصحابه، فَدَخَلَ رَجُلٌ بعدَ أن انتهتِ الصَّلاةُ، فقال: «مَنْ يَتصدَّقُ على هذا فَيصلِّيَ معه؟»، فقامَ أَحَدُ القومِ فَصلَّى مع الرَّجُلِ (٢). وهذا نَصٌّ صريحٌ في إعادةِ الجماعةِ بعدَ الجماعةِ الراتبةِ حيث نَدَبَ النَّبيُّ مَن يصلّي مع هذا الرَّجُلِ، وقولُ مَن قال: إنَّ هذه صدقةٌ، وإذا صَلَّى اثنان في المسجدِ وقد فاتتهما الصَّلاةُ فصلاةُ كلِّ واحدٍ منهما واجبٌة؟ فيقال: إذا كان يُؤمرُ بالصَّدقةِ، ويُؤمرُ مَن كان صَلَّى أنْ يصلِّيَ مع هذا الرَّجُلِ، فكيف لا يُؤمرُ مَن لم يُصلِّ أنْ يُصلِّيَ مع هذا الرَّجُلِ؟

قوله: «في غير مسجدي مكة والمدينة» أي: في غيرِ المسجدِ


(١) تقدم تخريجه ص (١٥١).
(٢) أخرجه الإمام أحمد (٣/ ٥، ٤٥، ٦٤، ٨٥)؛ وأبو داود، كتاب الصلاة، باب الجمع في المسجد مرتين (٥٧٤)؛ والترمذي، أبواب الصلاة، باب ما جاء في الجماعة في مسجد قد صُلي فيه مرّة (٢٢٠) وقال: «حديث حسن».

<<  <  ج: ص:  >  >>