(٢) هذا الأثر ينبغي أن يتخذ منه قواعد في باب المناظرة، وذلك أن عائشة ﵂، قالت: «لا بأس من لبس الحلي إذا أعطي زكاته» (١) فدل هذا على أنه لا بد من إعطاء الزكاة، ولكن روى مالك في الموطأ بإسناد أصح من ذلك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة «أنها كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي فلا تخرج من حليهن الزكاة» ولو كانت ترى الوجوب لأخرجت؛ لأن الولي يجب عليه إخراج الزكاة عن المولّى عليه، ولهذا قال العلماء: «والمجنون والصبي يخرج عنهما وليهما». قال ابن حجر في «التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير» ـ وهو كتاب حسن جيد يساوي أو يقارب كتاب الزيلعي: «نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية» وكلاهما جيد في الموضوع ـ: «ويمكن الجمع بينهما: بأنها كانت ترى الزكاة فيها ـ أي في الحلية ـ ولا ترى إخراج الزكاة مطلقاً من مال الأيتام»، بناءً على أنه يشترط في وجوب الزكاة البلوغ والعقل كما هو مذهب أبي حنيفة، والأيتام لم يبلغوا، فعلى هذا تكون لا تخرج زكاة الأيتام الذين في حجرها؛ لأنها لا ترى وجوب الزكاة على الصغير، وهذا الجواب لا شك أنه سديد، إلا أنه يرد عليه ما رواه مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال: «كانت عائشة تليني أنا وخالي يتيمين في حجرها، فكانت تخرج من أموالنا الزكاة» وهذا يدل على أنها ترى وجوب الزكاة في أموال الأيتام، وأنه لا يشترط لوجوبها البلوغ والعقل. وأجاب بعضهم فقال: يمكن أن يجاب عن ذلك بأنها لا ترى إخراج الزكاة عن أموالهم ـ يعني أموال اليتامى ـ واجباً، فتخرج تارة ولا تخرج أخرى، كذا قال. وهذا الجواب فيه نظر؛ لأنها لو كانت لا ترى إخراج الزكاة واجبة، ما جاز لها أن تخرج منها؛ لأنها إذا كانت تطوعاً، فالتطوع لا يجوز من مال الأيتام؛ لأنه تبرع، وليس للولي حق التبرع في مال من ولي عليه. ولهذا يُفَرَّق بين جواز التبرع، وجواز التصرف، فجواز التبرع أضيق؛ لأن مَنْ جاز تبرعه جاز تصرفه ولا عكس، فالولي يجوز أن يتصرف في مال المولّى عليه، ولا يجوز أن يتبرع منه. وأحسن منه أن يجاب بوجه آخر، وهو أن عدم إخراجها فعل، والفعل لا عموم له، وهذا ما يعبر عنه أحياناً أنه قضية عين، فإذا كان فعلاً، فقد يكون لأسباب ترى أنها قد تكون مانعة لوجوب الزكاة، وربما يكون عليهما دين مثلاً، والدين عند بعض العلماء يمنع وجوب الزكاة، وربما أنها تخرج ذلك خفية، ولم يطلع عليه أحد، المهم أن الفعل ليس له عموم.